استراتيجية تخزين الماء والحبوب
الرأي
استراتيجية تخزين الماء والحبوب
عمار يزلي
2024/06/21
متلازمة الماء والغذاء مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأمن والأمان، لهذا، فالحفاظ على المقدرات المائية والغذائية وتسييرها بطرق عقلانية استشرافية، تقود حتما إلى كسب رهان الأمن الغذائي.
وعندما نتحدث عن الأمن الغذائي، والمائي، فهذا حتما يقودنا إلى الحديث عن الأمن الاجتماعي: والابتلاء بنقص من الأموال والثمرات والأنفس، هو “الدهن الثلاثي” الخطير على جسد الأمة والمجتمعات ككل.
تداولُ مجلس الحكومة مسألتي تسيير مخزون المياه، في ظل الجفاف والاستهلاك الواسع للماء، لاسيما ماء الشرب، تجنُّبا للعطش والانقطاعات في التزود بهذه المادة الحيوية، التي لا مناص من توفيرها بكل السبل وكل الطرق، مرتبط بتخزين المياه والحفاظ على المخزون، غير أنه في غياب الأمطار في كثير من المناطق الوطنية، لاسيما الغربية والجنوبية، ولسنوات عدة، لم تعد السدود وحدها ضامنة لسد الحاجيات المتعاظمة من مياه الشرب، فضلا عن ماء السقي، لذا باتت الدولة تتجه بشكل أساسي نحو تحلية مياه البحر بالنسبة لمنطقة الشمال، حيث الطلب الكبير والاستهلاك الواسع للماء بسبب اكتظاظ السكان في أقل من 10% من مساحة الجزائر الإجمالية. في حين تعمل الدولة على تفعيل المياه الجوفية وترشيد استهلاكها لمناطق الجنوب، سواء للشرب أو السقي.
التخزين يعني التحسُّب للمستقبل وقراءة مطالب النمو الديمغرافي الذي سيقفز إلى 50 مليون نسمة في غضون سنوات قليلة، وهذا يتطلب دراسة وعملا ومواظبة للنمو السكاني بما تستدعيه وتيرة النمو وهذا التكاثر الديمغرافي الطبيعي مع ما يتزايد معه من تكاثر ونموٍّ للمقدرات المائية والغذائية، كأساسيات، من دون إهمال باقي الجوانب الأخرى التي يحتاجها المجتمع خلال مسار نموِّه وتطوُّرِه: فالإنسان لا يعيش على الماء والحبوب وحدهما، فهما مجرد وسائل عيش قاعدية، وأدوات بقاء، مما يعني أن التخطيط للمستقبل يبدأ من دراسة الواقع اليوم، المرتبط بدوره بماضي المجتمع: المستقبل يبدأ من الماضي عبر الحاضر. وهذا ما لم نقم به كما ينبغي رغم المحاولات الكبيرة والمضنية خلال محطات عدة من تاريخنا الوطني: أتحدث هنا عن المخططات التنموية خلال السبعينيات بالأساس: المخططات الثلاثية والرباعية والخماسية، غير أن التخطيط يتطلب -مع الدراسة الواقعية- مواكبة قوية وفعالة، في ظل الذهنيات المتقاعسة وجماعة العرقلة ووضع العُصيّ في العجلات، ووقود الإحباط والتخريب والفساد والتخاذل والتواطؤ.
تخزين الحبوب، كمادة استهلاكية واسعة واستراتيجية، سيستدعي أيضا تشييد وبناء مخازن تبريد لكل المنتجات الفلاحية في كل دائرة على الأقل، لاسيما تلك المعروفة بأهمية وكثرة إنتاجها للخضر والفواكه. الحبوب، جزءٌ أساسي في عملية الرهان على المستقبل في مجال الأمن والاستقلال الغذائي، باعتباره مصدرا أساسيا للقوت الوطني، رفقة الماء، لكن تخزين المنتجات الفلاحية وتصبيرها وتعليبها وتصنيعها، لا يقلُّ أهمية عن ذلك، لأن ذلك مرتبط بعقلنة الإنتاج الفلاحي وترشيده، درءا للضياع والفساد، في غياب مخازن تبريد وتجميع وتصنيع، ضمن الصناعات التحويلية.
أهمية الماء وواجب حل مشكل انقطاعه في بعض الأحيان حتى في المدن الكبيرة، والمدن الداخلية والسهبية والجنوبية، يريد رئيس الجمهورية أن ينتهي منه سريعا، عبر إعطاء الأمر للحكومة لأخذ الأمر على محمل الجد والسرعة في التطبيق والمتابعة الميدانية، لأن ذلك مرتبط بحياة الناس والمواطن والمجتمع وأمنه وأمن البلد ككل: الأمن من الجوع والعطش الذي يحقق الأمن من الخوف، حسب المعادلة القرآنية الربانية.