كأننا نعيد اكتشافهم مرة أخرى .. حينما نستمع إلى مفكرى العالم وقادته يتحدثون عن عظمة الصحابة وعبقرية شخصياتهم.. ويسردون قصصهم الرائعة .. وقف عمر بن الخطاب أمير المؤمنين على المنبر ممسكاً بيده صندوقاً وقال: «أيها الناس إن زوجتى أم كلثوم بنت على بن أبى طالب أرسلت إلى زوجة ملك الروم هدية عبارة عن (تمر وحناء وطيب) فردت زوجة ملك الروم عليها بهذه الهدية وفتح عمر الصندوق أمام الحاضرين فإذا هو (مملوء بالمجوهرات) وسأل عمر الحاضرين: هل هذه المجوهرات من حق زوجتى؟ فقال الحاضرون: نعم يا أمير المؤمنين إنها هدية بهدية ولا يشترط فيها التساوى فى القيمة.
وكان فى المسجد على بن أبى طالب والد أم كلثوم زوجة أمير المؤمنين عمر فوقف وقال: يا أمير المؤمنين إن ظننت أنهم قد نصحوك فقد خدعوك (إنما أهديت الهدية لزوجة أمير المؤمنين) ولو كانت امرأة غير زوجة أمير المؤمنين ما أرسلت زوجة ملك الروم إليها بكل هذه المجوهرات.
فقال عمر وبم تنصحنى يا أبا الحسن؟ فقال علي: أما أنا فأرى أن تأخذ زوجتك من هذه المجوهرات بما يساوى قيمة ما أهدت به زوجة ملك الروم وباقى المجوهرات يرد إلى بيت مال المسلمين. فقال عمر (لولا على لهلك عمر)».
شخصية سيدنا على شخصية آسرة .. اعجب بها كبار قادة الفكر فى العالم .. الكاتب الاسكتلنديّ كارليل قال: «انه مثال حى للشخصية الشجاعة والعطوفة فى آن واحد».. وقال عنه دانتى فى الكوميديا الإلهية.. «هو من تلقف بشجاعة فائقة جمرة النار الحارقة والرسالة المحمدية الفائقة التى أفزعت الكفار»... وتناولت الأقلام الغربية ومشاهير العالم ومنهم انطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة فى دهشة شديدة نبل إنسانيته فى معاملة أسيره.. حين قال يوصى ابنه: «ارفق يا ولدى بأسيرك (القاتل)، وارحمه، وأحسن إليه، وأشفق عليه، بحقى عليك أطعمه يا بنى مما تأكله، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما، ولا تغل له يدا، فإن أنا مت، فاقتص منه بأن تقتله، وتضربه ضربة واحدة، ولا تحرقه بالنار، ولا تمثل بالرجل، فإنى سمعت جدك رسول الله يقول: إياكم والمثلة، ولو بالكلب العقور».
نحن فى حاجة ماسة إلى إعادة اكتشاف مواطن العبقرية فى شخصيات صحابة النبى صلى الله عليه وسلم .. انهم عظماء أبهروا كبار المفكرين السياسيين العالميين .. استمع الى البروفيسور الأمريكى روى كاساغراندا وهو يتحدث عن تفاصيل المبارزة الأخيرة بين خالد بن الوليد، أحد أبرز قادة الجيوش فى تاريخ الإسلام، وقائد جيش الروم (البيزنطي) باهان فى معركة اليرموك. وخلال ظهوره فى برنامج «الليوان»، أوضح أستاذ الدراسات الحكومية والعلوم السياسية فى كلية أوستن المجتمعية بالولايات المتحدة روى كاساغراندا أنه «بمجرد أن بدأت معالم الهزيمة تلوح فى الأفق..انهزم المشاة البيزنطيون وأصبحت خسارتهم واضحة، فبدأوا بالتشرذم والهروب. وأضاف: «فرت مجموعة منهم غربا باتجاه الجسر، لكن خالداً بن الوليد أرسل جنودا فى الليل للسيطرة على الجسر، وعندما وصل البيزنطيون الهاربون إلى الجسر وجدوا مجموعة من العرب بانتظارهم أجبرتهم على الاستسلام. وتابع: لكن فر بعض البيزنطيين شمالا وتمكنوا من الهرب وبينهم الأمير باهان، وكان هدفه الوصول إلى دمشق لكن خالداً بن الوليد قرر ملاحقته، وكان (باهان) معه بعض الجنود، فهزم جنودُ خالد بن الوليد جنودَ باهان، وأمر خالد بعدم إيذاء الأمير. وأكمل: عندما لم يبق سوى باهان وحده، تقدم خالد نحوه وقال له .. «أنت محارب شجاع .. والنبلاء دوما يستحقون نصرا عظيما أو ميتة نبيلة .. ثم بارزه ابن الوليد ليمنحه هذا الشرف .. معرضا نفسه للموت اذا انتصر عليه باهان».. تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى مثل هذه الرؤى المفعمة بروح الشجاعة والنبل والإنسانية.. وإلى حوارات جادة بين المفكرين العرب ومفكرى العالم من أجل بناء الجسور بين الثقافات ورفع الالتباس عند الأجناس .. أخيرا فى هذا الإطار .. أدعوكم إلى قراءة مساهمات المفكر التونسى المعاصر آبو يعرب المرزوقى.
لمزيد من مقالات د. جمال الشاعر
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.