هل لمن فرّط في غزّة وأهلها مقدسات؟/ ل-د. عبد المجيد بيرم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
هل لمن فرّط في غزّة وأهلها مقدسات؟
: 2024-06-03
00 3 دقائق
د. عبد المجيد بيرم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
لكلّ أمّة من الأمم مقدسات تُعظّم وتُصان وتبذل المهج من أجل الحفاظ عليها والدفاع عنها، والمقدسات عند المسلمين هي ما عظمه الشرع وأعلى من قدرها، وخصّها بأحكام لا توجد في غيرها، والمقدس قد يكون شيئا، كالحجر الأسود والكعبة والمصحف الشريف، أو مكانا كالمسجد الحرام والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ومكة والمدينة وبيت المقدس، ومنى والمزدلفة والأرض التي بارك الله فيها، أو زمانا كيوم عرفة وشهر رمضان والعشر من ذي الحجة وغير ذلك مما ثبت في الشرع بركته وتعظيمه وتخصيصه بأحكام وبمزيد فضل؛ ويَعتَبر الإسلام حياة الانسان ذروة سنام هذه المقدسات.
بيت المقدس ميراث أمة
إن ّمدينة القدس التي تضم بين جنباتها المسجد الأقصى منتهى مسرى النبي -صلى الله عليه وسلم – ومبدأ معراجه وثالث المساجد التي يتضاعف الأجر فيها، قبلة المسلمين الأولى، والأرض التي بارك الله حولها ،فـــــ»رحاب القدس الشريف مثل رحاب مكة والمدينة «كما قال العلامة ابن باديس-رحمه الله – فالقدس وما يحمله من ثقل حضاري وعمق ديني أمانة في عنق الأجيال، لا تبرأ ذمتهم إلاّ باسترجاعها إلى حضنها المؤثل.
ذلك أن الإسلام هو القيّم على تراث الأنبياء «حمى تلك الرحاب من أيامه الأولى وحمى جميع مقدسات الملل وكفّ عادية بعضهم على بعض».
أهل غزة طليعة هذه الأمة في الدفاع عن المقدسات
إنّ الشرارة التي أشعلت فتيل طوفان الأقصى هي مشاريع التهويد التي لم تتوقف طالت المسجد الأقصى مع الاعتداءات الوقحة للقطعان من المستوطنين و تحت حماية جيش الاحتلال، وحرمان أصحاب الحق الأصليين من حقهم ،فكانت المباغتة التي أربكت العدو وكشفت هزاله، وكان ردّ الفعل الأهوج والهمجي من الاحتلال بالقتل والتجويع والتدمير وإعدام مقومات الحياة ، في محاولة يائسة لإبادة سكان غزة عن آخرهم ،لكن هيهات هيهات فإنّ الشعب الفلسطيني لن يموت وقضيته لن تزول، وستبقى أرض غزة ميدان المعسكر الذي يعمل على تحرير الأقصى من الاحتلال وداعميه وعملائه الذين يعملون على إطالة عمره في تلك البقاع. فالفلسطينيون هم طلائع تحرير الأقصى.
الواجب نحو فلسطين
إنّ التطور التاريخي للقضية الفلسطينية وما صاحبه من مواقف رسمية من الدول العربية منذ 1948م إلى الأحداث التي وقعت في العقدين الأخرين وما نراه في تداعيات طوفان الأقصى، وفي ظلّ النظام الدولي المتحكم والمكبل لأي مسعى من شأنه أن يفتح المجال للانخراط بشكل مباشر في مشروع التحرير.
وما وقع ويقع لأهل غزة والضفة من محن وابتلاءات ينطوي على منحة وهي تصحيح الرؤية بالنظر إلى القضية الفلسطينية ضمن إطارها الحضاري صراع بين الغرب اليهو-مسيحي والشرق المسلم، وهو مدعاة إلى إثارة الهمم الراكدة والمشاعر الراقدة وتأجيج النخوة والحمية وإحياء الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم وهي الخطوة الأولى لحثّهم للقيام بالواجب نحو فلسطين، يقول ابن باديس: «إنّ الدفاع عن القدس واجب كل مسلم» وهذا الواجب يتفاوت بالقرب والبعد، ودرجات الإمكان وحدود الاستطاعة، ووجود المقتضيات وانتفاء الموانع. ويقتضي هذا الواجب العمل على مستويين، قريب المدى وبعيد المدى.
أمّا القريب فإنّ من مقتضيات الموالاة بين المسلمين أن يتناصروا فهم يد واحدة على من سواهم، والنصرة ماديّا، معنويا، وإعلاميا، وسياسيا وشعبيا والواجب يمكن أن يتحقق بإسناد أُسر الشهداء والمساجين ورعاية اليتامى والأيامى والمهجرين والنازحين بما تتطلبه المرحلة. والشروع في إعادة الاعمار وبناء المساجد والمستشفيات والمدارس والجامعات والسكنات وهي أدنى حقوق الأخوة بين المسلمين.
وأمّا بعيد المدى فهو عمل يحتاج إلى نفس طويل ورؤية واضحة، لقد شخّص البشير الابراهيمي العلة لما اجتمعت كلمة الغرب على تقسيم فلسطين: «إنّ الأقوياء الذين تولوا أمر التقسيم ما ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء، إلاّ بعد أن غمزوا مواقع الإحساس من العرب، فرأوهم جادّين كالهازلين ورأوا منهم ناكثين كالغازلين، ورأوا في أمرائهم المقاومين والمساومين، وفي شعوبهم الجاهل والذاهل والمتشدد والمتساهل».
فالدّاء هو تشرذم العرب، وتفرق أهوائهم حكّاما ومحكومين، والواجب الذي لا يتم الواجب إلّا به هو العمل على اجتماع الكلمة، والإجماع على تحدّي مخططاتهم، والرهان الأكبر على شباب الأمة من خلال تكاتف جهود القوى الحيّة في الأمّة: مدارسها، مساجدها، ونواديها ومؤسساتها الإعلامية، لبث الوعي بطبيعة هذا الصراع وشحذ الهمم، وتحرير الإرادة.
ولا معنى للبيانات والتنديدات والاستنكارات فكل ذلك صيحة في واد ونفخة في رماد، كما أنّ استجداء الهيآت الدولية وجامعة الدول العربية للحصول على الحق المسلوب هو صنيع أثبتت الأيام والأحداث عدم جدواه.
ولأهل غزة نقول: حفظكم الله آواكم الله نصركم الله وجزاكم الله عن الأمّة خيرا.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.