لا يستطيعون التخلي عن الكيان…
يسارع الغرب وحتى بعض العرب ليكونوا لسان حال الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة بالأمس على لسان الرئيس الأمريكي تسارع إلى الإعلان عن وجهة النظر الصهيونية مع بعض التعديلات الطفيفة لإنهاء الحرب في غزة، وفرنسا التي دعت غداة السابع من أكتوبر إلى تشكيل تحالف دولي ضد الفلسطينيين، تلوم الأوروبيين الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية على تسرعهم في اتخاذ هذا القرار وإعلانه، ذلك أن “الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس موضوعا محظورا بالنسبة لفرنسا، لكنه يجب أن يأتي في وقت مفيد وليس استجابة للانفعال” (ماكرون)، وكأن الفرنسيين يسمحون لأنفسهم بوصف إيرلندا وإسبانيا والنرويج بالدول التي تحكمها الانفعالات في سياستها الخارجية عندما تعترف بالدولة الفلسطينية وليس قيم العدل والمساواة والقانون الدولي هي التي تحكمها…
وفي هذه الأثناء، وهو يرى بقاء الكثير من الدول الغربية مترددة في إدانته إدانة واضحة أو تسعى لإيجاد الأعذار له، يزيد الكيان الصهيوني من همجيته تجاه الفلسطينيين ولا يتوقف أبدا عن قتل الأبرياء تحت العنوان التقليدي والمعتاد للغرب عندما يريد تبرير همجيته تجاه الشعوب الأخرى برفع شعار مكافحة الإرهاب…
في المقابل، يبقى الفلسطينيون في خنادقهم صامدين صمودا أسطوريا، متمسكين بالمبادرة التي وافقوا عليها منذ أكثر من شهر والتي تقوم على مبادئ ثلاثة لا أكثر، وقف إطلاق النار، انسحاب جيش الاحتلال وإعادة الإعمار، مقابل إطلاق سراح الأسرى على دفعات من الطرفين.. مطالب لا لبس فيها للمقاومة، في مقابل اقتراحات أمريكية وصهيونية وغربية جميعها مُلغَّمة، ولا هدف منها سوى إطالة مدى الحرب وتمكين الإجرام الصهيوني من مواصلة إبادته الجماعية للفلسطينيين، والدفع بمن بقي من العرب إلى استئناف التطبيع المفروض فرضا وفق الشروط الأمريكية.
هذه المعادلة غير المتوازنة تُبيِّن بوضوح أن أقلية فقط من الحكومات القوية تَأْبه للوضع الفلسطيني، وقليلة هي الدول التي تقف رسميا مع الفلسطينيين، أما تلك التي ساعدت وتساعد المقاومة وإلى اليوم ماديا ومعنويا فمازالت تُعد على الأصابع، لذا يبقى الرهان الوحيد لكي تضع هذه الحرب العدوانية أوزارها ويتم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني هو مواصلة صمود الشعب الفلسطيني على أرضه والتفافه حول مقاومته البطلة، القادرة وحدها على استعادة الحق المسلوب بالكفاح المسلح من جهة وبالدبلوماسية من جهة أخرى.
وما موقف القيادة السياسية للمقاومة البارحة من رسالة الرئيس الأمريكي “بايدن”، وقَبولها قبل اليوم مبادرة الوسطاء القطريين والمصريين إلا دليل آخر على نُضح الرؤية السياسية لديها وقدرتها على إدارة الحرب المضادة النفسية والإعلامية التي تقودها كبرى وسائل الإعلامية الأمريكية ـ الصهيونية المتحالفة والمؤيدة لبعضها البعض، ثم تُقلِّدها تِباعا الكثير من وسائل الإعلام الغربية المؤيدة للخط الأمريكي وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي تشارك جميعها مباشرة في هذه الحرب وترفض لحد الآن وضع حد لها والاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وإن أبدت بعض التصريحات القائلة خلاف ذلك للاستهلاك المحلي أو لإدارة الصراع الداخلي لديها.
وفي كل هذا دليل آخر على أن المقاومة الفلسطينية اليوم إنما هي بحق مقاومة فريدة من نوعها، مازالت بعد كل هذا الضغط القائم من قبل كبرى الدول الغربية المتفقة على تصفيتها، قادرة على إدارة الصراع، عسكريا في الميدان وسياسيا على جبهة المفاوضات، بل وقادرة على كسب تعاطف الرأي العام العالمي فضلا عن مواقف بعض الدول الغربية ذاتها، وكلها إشارات نصر قادم بإذن الله …