من الصعب إيجاد وصف أو تشبيه في كل الأمكنة والأزمنة لهذا الكيان الذي مارس في ثمانية أشهر ما مارسه الطغاة والجبابرة والظالمون على مدار قرون من الزمن. وحتى لو صدَّقنا أكاذيبه التاريخية التي لا تنتهي، ومنها “الهولوكست”، فإن ما اقترفه في رفح فقط، من همجية وافتخار بالمظالم، يساوي أضعاف ما تباكى عليه هو على حائط التاريخ، حول قصة “الهلوكوست”.
هناك بلدانٌ بدأت تكتشف القبح المتفجِّر في الوجه الإسرائيلي، فمنها من قطعت علاقاتها به، ومنها من صمتت، ليس صمت الرضا وإنما الدهشة والذهول، وحتى أقرب الناس لهذا الكيان تجلى تذمّره في حراك نخبته، عندما تظاهر الطلبة أو إطارات المستقبل في إنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، رفضا لهذه الأعمال الهمجية التي جعلت هذا الكيان يكشف نفسه بنفسه للناس جميعا.
قدَّمت “إسرائيل” نفسها للعالم من دون ماكياج، لأول مرة في تاريخ وجودها، ككيان طلسمي “جاء وهو لا يعلم من أين أتى ولكنه أتى، وقد أبصر طريقا قدّامه فمشى، كيف جاء كيف أبصر طريقه؟ هو نفسه ليس يدري”، على وزن رائعة الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي “الطلاسم”، التي كتبها في مهجره بالبرازيل.
ولم يكتف الإسرائيليون بكشف أنفسهم للعالم، بل كشفوا حلفاءهم والمطبِّعين والذين كانوا على تخوم التطبيع، فصارت أمريكا الراعي الرسمي للإرهاب والظلم، وصارت أوروبا موطن المتناقضات، وصارت الدول العربية المطبِّعة في ورطة أمام شعوبها، ومن المفروض أن تكون البلدان التي فكَّرت مرة في التطبيع، قد عرفت حقيقة هذا الكيان الزاعم للديمقراطية ولحبّ السلام.
عندما سحبت البرازيل سفيرها في تل أبيب، وكل البرازيليين لا يريدونه أن يعود، وقف مقدِّم نشرة أخبار في التلفزيون البرازيلي، يخاطب أهل بلده، وهو يقول ويكرر: “ها قد كشفت الأحداث، حقيقة “بلد” صدّقنا بأنه من كوكبنا، يمكننا أن نتعايش معه”. وبأسلوب عمالقة القلم في أمريكا اللاتينية من أمثال بابلو نيرودا وغابرييل غارسيا ماركيز وأكتافيو بات وماريو فاركاس يوسا، أبحر مقدِّم النشرة، ثم قدّم مَشاهد محرقة رفح، وأجهش بالبكاء.
ومن جميل الصدف في قبيح الأفعال، أن كل البلاد التي قطعت علاقاتها مع الصهاينة أو أبدت تعاطفها مع الفلسطينيين، كانت دائما نبضا للأحاسيس والمشاعر، ولها أدباء حصلوا عل جوائز كبرى في الآداب، مثل بوليفيا وكولومبيا، وحتى آخر جائزة نوبل في الآداب، حصل عليها كاتبٌ من النرويج وهو “يون فوسي” الذي كان أول من هلل لاعتراف بلاده بدولة فلسطين.
يقال إن طاعون أثينا قبل ميلاد المسيح عليه السلام، قتل ما لا يقلّ عن مائة ألف يوناني، وقتل طاعون عمواس الآلاف من المسلمين ومنهم مئتا حافظ لكتاب الله في خلافة فاروق الأمة، وأودى طاعون أنطونين بحياة خمسة ملايين إنسان، من أبناء الرومان، ولكن طاعون العصر أو الطاعون الإسرائيلي قتل الأخلاق والقيم وأزهق روح النبل والكبرياء.
الرأي
“اسرائيل” طاعونُ العصر
عبد الناصر بن عيسى
2024/05/31
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.