جزائر الثورة لن تدين المقاومة
بعد أن وصف المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية مشروع القرار الذي قدّمته الجزائر إلى مجلس الأمن الدولي للوقف الفوري للهجوم الصهيوني على رفح، بـ”غير المتوازن” بحجّة أنه “لم يحمّل حركة “حماس” مسؤولية اندلاع الصراع”، لم يعُد يخامرنا أدنى شك في أن الولايات المتحدة ستستعمل مجدّدا ما يسمّى “حق الفيتو” في المجلس ضد مشروع القرار، وللمرة الرابعة منذ اندلاع حرب غزة.
هي مجرّد ذريعة متهافتة تستعملها أمريكا لتبرير لجوئها إلى ممارسة “حق الفيتو” ضد مشروع القرار الجزائري حينما يعرض للتصويت قريبا، تماما مثلما اختلقت من قبل ذريعة بائسة للاعتراض على مشروع قرار قدّمته الجزائر لمجلس الأمن الدولي لوقف الحرب في غزة؛ إذ تحجّجت واشنطن آنذاك بأنّه “يؤثّر سلبا في سير مفاوضات صفقة تبادل الأسرى”، وأفشلت المشروع، ثم لم تكن هناك أيّ صفقة تبادل أسرى بسبب تعنّت الاحتلال وكثرة مراوغاته ومناوراته وشروطه التعجيزية خلال المفاوضات غير المباشرة، وسمح ذلك “الفيتو” للاحتلال بمواصلة جرائمه، مثلما سيسمح له “الفيتو” المرتقب بمواصلة عملية الإبادة والتطهير العرقي في رفح برغم قرار محكمة العدل الدولية.
إذا كان الاحتلال قد تغوّل في ممارسة جرائمه ومجازره النازية بغزة، واستطاع الإفلات من العقاب إلى حدّ الساعة، وتحدّى المجتمع الدولي برمّته، فإنّ العامل الأول الذي شجّعه على ذلك هو الدعم غير المحدود الذي يقدّمه له الحليف الأمريكي، سواء تعلّق الأمر بآلاف الأطنان من القنابل التي تدمّر بها غزة، أو بالدعم المالي والإعلامي والديبلوماسي…
منذ أسابيع عديدة والولايات المتحدة تدّعي أنّها تعارض هجوما صهيونيا واسعا في رفح، خوفا على حياة 1.5 مليون مدني تعجّ به المنطقة، وقد تعمّد العديد من المسؤولين الأمريكيين إطلاق تصريحات متواترة بهذا الصدد للظهور بمظهر الحريصين على حياة الأطفال والنساء بغزة، لكنّ بمجرّد ما تقدّمت الجزائر بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لوقف هجوم رفح، ظهر وجه أمريكا الحقيقي مرّة أخرى واختلقت ذريعة جديدة تمهّد للجوئها إلى الاعتراض عليه، تماما مثلما كانت تتغنّى منذ 7 أكتوبر 2023 بـ”حل الدولتين” وتزعم أنّه الحل السياسي الوحيد للصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، ولكنّ حينما قدّمت الجزائر مشروع قانون إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية، تصدّت له واشنطن واعترضت عليه، بذريعة أنّ هذه الدولة تقوم فقط من خلال آلية المفاوضات، مع أنّ الفلسطينيين فاوضوا الصهاينة منذ اتفاق أوسلو 1993 إلى اليوم على قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 جوان 1967 التي تشكّل 22 بالمائة فقط من مساحة فلسطين، لكنّ ذلك المسار التفاوضي الماراطوني الذي دام 31 سنة كاملة، انتهى من دون جدوى، لأنّ الصهاينة رفضوا جملة وتفصيلا قيام أيّ دولة فلسطينية ولو كانت هزيلة المساحة ومنزوعة السلاح، وبقوا -خلال الماراطون التفاوضي- يماطلون ويربحون الوقت حتى تمكّنوا من قضم 42 بالمائة من أراضي الضفة الغربية وابتلاعها بالاستيطان!
هي إذن مجرّد ذريعة جديدة تهدف إلى إفشال مشروع القرار الجديد ومنح الاحتلال وقتا أطول لإنجاز مهمّته في رفح وهي استئصال الكتائب الأربع للمقاومة فيها، ولكنّ هل استأصل الاحتلال الكتائب العشرين الأولى لـ”حماس” حتى يقضي على الأربع الباقية؟ ألم يمن بالهزيمة تلو الأخرى في مختلف مناطق غزة، وتعود “حماس” وتستعيد السيطرة عليها بعد انسحاب جيش العدو منها مهزوما مدحورا، وآخرها الانسحاب من جباليا وشمال غزة يوم الجمعة؟
إذا واصل الاحتلال هجومه الإجرامي على رفح، فسيمنى بهزيمة جديدة كما حدث له في شتى أنحاء غزة، ولن يتمكّن سوى من التدمير والتخريب الأعمى وارتكاب المزيد من المجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء هناك، كما هو ديدنه في غزة منذ 8 أشهر من الهزائم والنكسات المذلّة.. والخبر اليقين عند الجنرال المتقاعد إسحاق بريك الذي أكّد مجدّدا هزيمة جيش الاحتلال “المهترىء” واستحالة القضاء على “حماس”.
أمّا جزائر الثورة والأمجاد والشهداء، فلن يعقّدها أحد بمواقفه وتصريحاته المتحيّزة للاحتلال، ولن تدين المقاومةَ تقرّبا وتزلُّفا لأحد؛ مقاومة الاحتلال بكل الأشكال حقّ تكفله -بوضوح تامّ- كلّ القوانين والأعراف الدولية للشعوب المستعمرة، فلماذا على الجزائر أن تدين المقاومة كما يفعل الأعراب المتصهينون؟ كعبة ثوّار العالم تأبى أن تلطّخ تاريخها بمثل هذا العار.