عندما يُحرق الأطفالُ أحياءً في رفح!
فور نجاح كتائب القسام في استدراج قوة صهيونية من 16 جنديًّا إلى نفق بجباليا شمال غزة وإيقاعهم جميعا بين قتيل وجريح وأسير، توقّعنا أن يكون ردّ الاحتلال على هذه الهزيمة الجديدة المذلّة، عنيفًا ووحشيًّا ويستهدف المدنيين، ولم تمرّ سوى بضع ساعات على كلمة أبي عبيدة وفيديو سحب جثة جندي قتيل، حتى ارتكب الاحتلالُ مجزرة كبيرة في مخيم نازحين برفح ذهب ضحيَّتها 40 فلسطينيًّا وعشرات الجرحى، الكثير منهم أحرق حيًّا داخل خيم بلاستيكية.
هذا هو دأبُ الاحتلال وديدنُه منذ نشوئه قبل 76 سنة، فهو يردّ على كلّ عملية فدائية بطولية بمجزرة وحشية بحقّ الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين، لكنّ جنونه بلغ عنان السماء خلال الحرب الحالية؛ إذ كلّما تعرّض لضربةٍ قاسية في الميدان على يد صناديد المقاومة، لجأ إلى الانتقام الخسيس من الأطفال والنساء وارتكب مذبحة جديدة بحقّهم، في صور تعبّر عن قمّة الانحطاط الأخلاقي والإجرام والحقد والكراهية المتأصّلة في نفوس هؤلاء النّازيين الجُدد.
وكعادة العدوّ في تبرير مذابحه في كلّ مرة، فقد برّر جريمة قصف خيام برفح وإحراق من فيها من الأطفال والنساء بالزعم أنّ مقاومين اندسُّوا بين المدنيين، وهي الذريعة ذاتها التي استخدمها طيلة 8 أشهر من الحرب لتسويغ قتل أزيد من 36 ألف مدني وتدمير ثلاثة أرباع القطاع إلى حدّ الساعة، في حين أنّ الحقيقة نطق بها ذلك الجندي المتمرّد الذي بعث قبل أيام قليلة رسالة إلى وزير دفاعه يوآف غالانت حذّره فيها من مغبّة سحب الجيش من غزة قبل تحقيق “النصر” وإنهاء مهمّته، وقال بالحرف الواحد “نريد أن نقتل كلَّ من احتفل بذبحنا؛ كلَّ الأطفال الصِّغار الذين داسوا على رؤوس إخواننا الجنود في غزة، لن يبقى أحدٌ من هؤلاء حيًّا”!
وقد يُحاجج البعض في أنّ هذا الجندي حالة فردية شاذّة، لكنّ تصريح رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو لجنود الاحتلال وهو يزورهم في اليوم الثاني من بداية الحرب البرّية في أواخر أكتوبر الماضي ليشحذ هممهم قبل دخول القطاع، يؤكّد أنّ الأمر يتعلّق بفكرٍ إجرامي عنصري فاشي يستحوذ على عقول الصهاينة جميعا، حكّاما ومحكومين، قادة وجنودا؛ فقد قال نتنياهو حرفيًّا: “يقول كتابُنا المقدَّس: تذكّروا ما فعل عماليق بكم، ونحن نتذكّر ونقاتل”. وهو يشير بذلك إلى ما جاء في سفر صموئيل: “فالآن اذهبوا واضربوا عماليق، ودمّروا كلّ ما لهم، ولا تعفوا عنهم، بل اقتلوا كلًّا من الرجل والمرأة، والطفل والرّضيع، البقر والغنم، الجمل والحمار”. وما نراه في غزة اليوم من جرائم إبادة وتطهير عرقي وتدمير واسع للمربّعات السّكنية والمستشفيات والمدارس على رؤوس الأطفال والنساء، وحتى تدمير آبار المياه وقنوات الصّرف الصحي وجرف الطرقات وكلّ أثر للحياة… هو ترجمةٌ حرفية لهذه النصوص التوراتية المحرَّفة التي يتكئ عليها نتنياهو وجنودُه لتبرير محرقتهم المتواصلة منذ ثمانية أشهر على المباشر وأمام العالم كلّه.
مجزرة رفح تأتي أيضا ردّا على قرار محكمة العدل الدولية، وتحدّيا صارخا لها وللمجتمع الدولي الذي تمثّله، ومع ذلك لا نطمع في أن يعاقب العالمُ هذا الكيان، أو يقبض على نتنياهو وكبار مجرمي الحرب الصهاينة ويقدّمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية كما فعل في جويلية 2008 مع رادوفان كاراديتش، الرئيس الأسبق لـ”جمهورية صرب البوسنة”، فنحن في زمن المعايير المزدوجة والانحياز الصارخ إلى الباطل وحماية السفّاحين الذين يخدمون أجندة الغرب.. ما نراهن عليه فقط هو أن يواصل الشعبُ الفلسطيني صموده على أرضه فلا يتزحزح عنها قيد أنملة، وأن تستمرّ المقاومة في ثباتها، وتوجيه ضرباتها النّوعية المؤلمة للعدوّ، فذلك فقط ما يكسر عجرفته وغروره، ويُذلّ كبرياءه، ويُجبره في نهاية المطاف على وقف الحرب والانسحاب ذليلا مهانا وعقدِ صفقة تبادل أسرى تحقّق شروط المقاومة بحذافيرها.
الرأي
عندما يُحرق الأطفالُ أحياءً في رفح!
حسين لقرع
2024/05/28