“بالله عليك.. أتركها لي”!
الرأي
“بالله عليك.. أتركها لي”!
حسين لقرع
2024/05/25
تداول روّاد مواقع التواصل على نطاق واسع في الأيام الأخيرة فيديو لمقاومين اثنين من القسام وسرايا القدس، وهما يتنافسان على من يفجّر دبابة صهيونية بعبوّة ناسفة، ويقول أحدهما للآخر برجاء وإلحاح: “بالله تسيبها.. هاذي إلّي.. بالله عليك”!
هذه اللقطة البطولية الباعثة على الفخر والاعتزاز والثقة بحتمية النصر، توضّح درجة تحمّس رجال المقاومة الفلسطينية لمحاربة العدوّ الصهيوني بغزة، وكيف يتحرّقون شوقا لملاقاته، ويتنافسون على التصدي لدباباته وتفجيرها ولو كان من المسافة صفر مع ما يحمله ذلك من أخطار.. إنّهم يتسابقون على المقاومة والشهادة نصرةً للقدس والمسجد الأقصى المبارك نيابة عن قرابة ملياري مسلم غارق في سباته.
خلال ثمانية أشهر من الحرب تابعنا فيديوهات الكثير من صناديد المقاومة وهم يهرولون باتجاه دبابات العدوّ وآلياته ويلصقون بها عبوات “شواظ” ويفجّرونها، أو يطلقون عليها قذائف “الياسين 105″، ويقنصون جنوده، وينصبون لهم الكمائن، ويقصفون تجمّعاتهم بالهاون، ويحاربون بكلّ ضراوة وبسالة… وبرغم كلّ ما يزعمه الاحتلال من القضاء على 75 بالمائة من قدرات المقاومة، إلا أنّ ما نراه هذه الأيام من شراسة في القتال وملاحم يومية، يفوق حتى ما رأيناه في الأيام الأولى للحرب، ما يعني أنّ المقاومة بخير وانتصارها على الاحتلال حتميّ مهما طال أمدُ الحرب وتزايدت التضحيات.
مقابل هذه الصورة الناصعة المشرّفة لصناديد المقاومة الذين يتنافسون على محاربة العدوّ، في همّة، وشجاعة، وروح قتالية عالية، وثقة تامّة بالنصر، واستعداد كامل للتضحية.. سمعنا عن الانتحار المتزايد في صفوف جنود العدوّ المنهارين بفعل الحرب، وهروب بعض الجنود من الجيش، ونقلت لنا مواقع التواصل قبل أشهر صور احتفال جنود كتيبة لواء “غفعاتي”، وهم من جنود “النخبة”، بعد قرار سحبهم من غزة ونجاتهم من الموت فيها، وتابعنا في الأيام الأخيرة الرسالة التي بعثتها ألف أمِّ جنديٍّ إلى نتنياهو راجيات وقف الحرب وإعادة أبنائهنّ من غزة إلى بيوتهم، لأنهم منهَكون صحيا ونفسيا وليس بإمكانهم مواصلة القتال.
هما صورتان متعاكستان توضّحان للعالم من هو صاحب القضيّة العادلة الذي يدافع عنها بإيمان وثبات وشجاعة وصبر واستعداد تامّ للتضحية من أجلها بنفسه، والطرف المعتدي الذي كان يعتقد أنّ الشعب الفلسطيني قد رضخ لقوّته العسكرية الجبّارة، وبات بإمكانه الآن أن يتمتّع بخيرات فلسطين في كنف الأمن التامّ من دون أن يقضّ مضجعه شيء، لاسيما وأنّ سلطة “التنسيق الأمني” وفّرت له أمنًا في الضفة الغربية لم يتحقّق لأيِّ محتلٍّ غاصب في التاريخ، قبل أن يفاجئه طوفان 7 أكتوبر، والصمود الأسطوري للمقاومة في غزة طيلة 8 أشهر من القتال، وهنا بدأ المعتدي يدرك بأنّ التفوّق العسكري الصارخ والدعم الغربي غير المحدود بأحدث الأسلحة لن يجلب له الأمن المنشود، ولن يحقّق له الاستقرار والتنعّم برغد العيش في أرض الغير، فتسرّبت مشاعر الخوف، والشكّ، والقلق إلى نفسه، وبدأ يفقد شعوره بالأمن ويفكّر في الهروب والانتحار وربّما الهجرة العكسية إلى دول غربية عديدة.
في 5 أفريل الماضي، كشفت “جمعية الدعم النفسي” الصهيونية لـ”هيئة البث” العبرية أنّ عدد الصهاينة الذين طلبوا الدعم النفسي في ظرف نصف سنة من حرب غزة قد تضاعف بنسبة 950 بالمائة مقارنة بفترة ما قبل 7 أكتوبر، واعترفت الجمعية بأن نتائج هذه الحرب “وخيمة على الداخل الإسرائيلي من الناحية النفسية والعقلية”، ما دفعها إلى الاستعانة بـ150 خبير نفسي للردّ على الاستفسارات وكذا طلبات الدعم النفسي. ولا شكّ أنّ الكثير من الحقائق ستتكشّف تباعا بعد نهاية الحرب، عن الأعداد الكبيرة للمصدومين والمرضى نفسيًّا والمنتحرين في صفوف المستوطنين والجنود الصهاينة بسبب ما لاقوه في غزة من أهوال على أيدي أسود المقاومة.
إثر غزوة 7 أكتوبر التاريخية، قلنا إنّ الحدث جلل، والقضية الفلسطينية بُعثت من جديد بعد أن كادت تُصفَّى، والمنطقة مقبلة على تغييرات جذرية ستمسّ الكيان والإقليم والدول المطبِّعة المنبطحة والغرب الظالم المنحاز للاحتلال العنصري الفاشي. وما يحدث اليوم من هزائم عسكرية يومية للاحتلال، ونكسات سياسية متلاحقة في العالم، آخرها اعتراف ثلاث دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، واستعداد المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف دولية بحقّ كبار قادته المجرمين، وكذا قرار محكمة العدل الدولية الأخير بشأن رفح، هي كلّها تطوّراتٌ تؤكّد بداية هذا التحوّل الجذري، والقادم أفضل بإذن الله.