لا مطالب من إسرائيل أبدا.. «افعلوا ما تريدون»
لا مطالب من إسرائيل أبدا.. «افعلوا ما تريدون»
منذ 22 ساعة
لطفي العبيدي
إدارة بايدن مثل سابقتها في عهد ترامب تجلس ببساطة في جيب نتنياهو. في وقت أصبحت كل الشعوب تقريبا قادرة على فحص سياسة الحكومة الإسرائيلية التأسيسية المدعومة من الولايات المتحدة، باستخدامها على الدوام استراتيجيات الإرهاب والقتل والتهجير، في محاولة للاستيلاء على الأراضي، وفرض وجود غير شرعي لسلطة قائمة بالاحتلال، تواجهها مقاومة شرعية تدافع عن وطن محتل.
الكيان الاستعماري الصهيوني مستمر في حربه الهمجية ضد غزة. قصف البيوت، وتهديمها على رؤوس من تبقى من ساكنيها، بعد تهجير معظمهم إلى رفح، والرغبة في الدخول هناك أيضا لارتكاب مجازر أخرى مرجحة. كل ذلك دون أن يوقف هذا الكيان المعربد أحد. إسرائيل لم تحترم أي قرار دولي، ولم تذعن لأي دعوة وجهتها الهيئات الأممية، بما في ذلك مجلس الأمن والجنائية الدولية.. تتمادى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، وهي تقتدي بواشنطن التي ضربت بتقارير محكمة العدل وغيرها من الهياكل الدولية عرض الحائط من أيام الحرب الهمجية التي شنّتها إدارة ريغان على نيكاراغوا أو غزو بوش لبنما، ناهيك من فضيحة غزو العراق بتعلات كاذبة.
حرب كيان الاحتلال الصهيوني على غزة نزعت كل ادعاءات المظلومية، وأصبح العالم كله يرى صورة هذا الكيان البشعة في القتل والتدمير وارتكاب أفظع الجرائم
يقول والتر راسيل أستاذ الشؤون الدولية، إن دعاة المذهب الجاكسوني يعتبرون الاستثناء الأمريكي ليس بوصفه وظيفة من النداء العالمي للأفكار الأمريكية، أو حتى وظيفة أمريكية فريدة لتغيير العالم، بل هو متجذر في التزام البلاد بالمساواة وكرامة المواطن الأمريكي. ويكمن دور الحكومة في نظرهم في ضمان مصير البلاد من خلال حماية الأمن المادي والرفاه الاقتصادي للشعب الأمريكي، داخل وطنهم القومي. وخلال القيام بذلك لا تتدخل الحكومة إلا بأقلّ قدر ممكن في الحرية الفردية، التي تجعل الولايات المتحدة «بلدا فريدا من نوعه». ماذا إذن عن القمع الموجه ضد الحراك الطلابي داخل الجامعات الأمريكية؟ هذا القمع الواضح يحيل على كثير من الملاحظات بشأن الديمقراطية الأمريكية في الداخل، وتحديدا حين يتعلق الأمر بإسرائيل. يدرك العالم اليوم أنّ ما تواصل أمريكا تقديمه من أسلحة لإسرائيل توجّه لإبادة الشعب الفلسطيني وقمع نضاله من أجل الحرية. أما حملة اللوبي الصهيوني المتواصلة داخل الكونغرس الأمريكي وغيره، التي تهدف أساسا إلى خنق النقاش داخل المؤسسات الأمريكية، حول كيان الاحتلال والدعم الأمريكي المطلق له، فكلها تطرح تساؤلات عن مدى استقلالية القرار في أمريكا، ومستوى تغلغل مجموعات الضغط الصهيونية، التي تدفع الإدارة الأمريكية باتجاه خدمة كيان الاحتلال، بقطع النظر عن المصالح المعلنة والخفية، ومدى تعويل أمريكا على إسرائيل كذخر استراتيجي، يتحول شيئا فشيئا إلى عبء استراتيجي تدفع الولايات المتحدة بسببه الكثير. تهديدات ترامب بالتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة، ساهمت في تآكل بعض المؤسسات الأساسية في النظام الليبرالي الدولي، ما أدّى بوضوح إلى مزيد من الإنفاق الدفاعي الأوروبي على المدى القصير، وكان من الممكن أن يقوض جذريا التضامن العضوي، والتماسك التي يجعل حلف شمال الأطلسي استثنائيا، ويدفع الشركاء الأوروبيين لإعادة النظر في ما إذا كانت الولايات المتحدة حقيقة شريكا يمكن الاعتماد عليها أساسا، ولكن حتى بايدن لم يغيّر شيئا في السياسة الأمريكية، بل عمّق شعور الكراهية ضد سياسات بلده، بعد دعمه المجازر ومشاركته في القتل والإبادة ضد شعب أعزل، يُقتل على أرضه من قبل محتل صهيوني، يحظى بكل أشكال الدعم العسكري والدبلوماسي من دولة أمريكا. وحتى الملف الأوكراني، قامت إدارة بايدن من خلاله باستغلال القادة الأوروبيين، بأن دفعوا أثمانا باهظة، وضحوا بمصالح بلدانهم من أجل حرب عبثية أصابت اقتصادهم في مقتل، ويكفي التذكير بما يعانونه من أزمات طاقة، وما حدث من أزمة أمن غذائي عالمي بسبب نقص الإمدادات من روسيا وأوكرانيا المتحاربتين.
لقد اعتقدوا عبر أوهام اتفاقيات أبراهام، أنّ إسرائيل ستصبح دولة من الشرق الأوسط، وأنّ مثل هذه الصهيونية المتطرفة ستكتسب دعائم وجودها بالفعل من باب التطبيع والتعامل الدبلوماسي، ولكن حرب غزة أعادت صورة فلسطين نابضة، وكشفت حقيقة الاجرام والفاشية الصهيونية، وحتى لو واصلت بعض الحكومات العربية التابعة مشروع تطبيع علاقاتها مع من ارتكب كل هذه الجرائم، فإنّها ستعجل بانهيارها وسقوط مشروعية حكمها أمام شعبها. فما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات بين الاحتلال وعدّة دول عربية، هو في المحصلة تحالف بين قوى قمعية، لا هم لها سوى مصالح حكمها الضيقة. في الشرق الأوسط، حلفاء أمريكا هم الديكتاتوريات العربية إلى جانب إسرائيل التي تحركت إلى أقصى اليمين، وتعربد كما تشاء أمام أنظار الجميع. هذا التحالف هو أساس القوة الأمريكية في المنطقة، ومشروع الأسرلة والتقارب المعلن هو فقط يكشف عنها. في النهاية، الاستنتاج الذي لا يمكن قراءته في الصحف في الولايات المتحدة أو في إسرائيل، لا يمكن الحديث عنه، لكنه واضح تماما. كان مرجحا منذ سبعينيات القرن الماضي أن ما تفعله إسرائيل سيحوّلها إلى كيان معزول. عاجلا أم آجلا سينقلب الرأي العام العالمي ضد سياسات التوسع والعنف والعدوان والإرهاب في الأراضي المحتلة. وعلى مرّ السنين، هذا ما حدث. وازداد تأكيدا مع حرب الإبادة المتواصلة ضد أهلنا في غزة المحاصرة منذ سنوات. اليوم، لا أحد يريد الاقتراب من إسرائيل باستثناء أمريكا. كان أول رئيس أمريكي لم يفرض أي مطالب على إسرائيل على الإطلاق، هو أوباما. كان الرئيس الأكثر تأييدا لإسرائيل في التاريخ. ومع ذلك بالنسبة لإسرائيل، لم يكن داعما بما فيه الكفاية. ترامب، دعم إسرائيل كثيرا، لكن أوباما كان أول رئيس لم يفرض أي شيء على إسرائيل، وهذا ما تريده حكومة الاحتلال، فيما يبدو من أي إدارة أمريكية. عند توليه الحكم، رجح تشومسكي أن يعود بايدن إلى نهج أوباما، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك ما لم تبدأ حركات الناشطين الشعبية في التنظيم وإدراك حجم الجهود التي يمكن أن تطلقها. المشهد في الولايات المتحدة اليوم يكشف بوضوح أنّ هناك انقساما في المجتمع الأمريكي. القطاع الشاب، أكثر يسارية وأكثر ليبرالية، متحمس لرؤية تغيير في السياسة. وقد قلب الحراك الطلابي داخل الجامعات الأمريكية الكثير من الموازين، مهم جدا ما يعتقده، أما نتائجه فسيكون لها الأثر بالتأكيد ولو مستقبلا، خاصة إذا كانوا منظمين وناشطين وفعالين.
حرب كيان الاحتلال الصهيوني على غزة نزعت كل ادعاءات المظلومية وأغطيتها الكاذبة، وأصبح العالم كله يرى صورة هذا الكيان البشعة في القتل والتدمير وارتكاب أفظع الجرائم أكثر من أي وقت مضى. حتى داخل أمريكا، لم تفلح الدعاية وقلب الحقائق وسياسات التعتيم المعهودة في خنق أصوات الاحتجاج التي كانت نادرة إلى زمن قريب. إنّ دماء الأبرياء وبسالة المقاومة جميعها تنشد وطنا حرا وسيتحقق لهم ذلك في النهاية..
كاتب تونسي/ القدس العربي