رعبٌ في الكيان الصهيوني
الرأي
رعبٌ في الكيان الصهيوني
بقلم: د. علي لكحل
2024/05/21
الحكومة اليمينية الدينية المتطرفة في إسرائيل نجحت في جعل الكيان يمر بأكثر الأيام رعبا، بعد سقوط السردية الصهيونية التي قامت على تزييف التاريخ وتحريف الأسطورة. وتهدد سياسات نتنياهو الوضع الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
عوامل ومظاهر الرعب
أولا: تهديد المقاومة، إذ أن التحول من القوة إلى الذكاء جعل المقاومة الفلسطينية اللبنانية أكثر حضورا وتأديبا للقيادات الدينية واليمينية المتطرفة في الكيان الصهيوني.
ثانيا: تهديد إيران من خلال تغيير قواعد الاشتباك وتحجيم قدرة الكيان على الرد. ويتحكم فيه عاملان: إثبات إيران قدرتها على الرد، والرفض الأمريكي توسُّعَ الصراع.
ثالثا: تهديد الرأي العام الدولي وتزايد الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، إذ أصبح الملف الفلسطيني حاضرا في توجهات الرأي العام الغربي ولا يمكن تجاوز تغيُّر الموقف التركي من العدوان الصهيوني على غزة بعد الانتخابات البلدية التي تقدمت فيها المعارضة، وفرضت على الحكومة التركية إعادة النظر في التبادلات التجارية بين تركيا والكيان، وكذا اعتبار نتنياهو منافسا لهتلر، ما يعني إثبات الصفة النازية لحكومة نتنياهو، وهو نفس التوصيف الذي تقدمه المقاومة الفلسطينية.
ثالثا: تهديد الجنائية الدولية، ففي خطاب له في مؤسسة “ياد فشيم”، استبدل نتنياهو الخطر الإيراني بالخطر الذي تشكله الجنائية الدولية، في إشارة لجو الرعب الذي يحيط به، فضلا عن تخوفه من المحاسبة في مرحلة ما بعد الحرب.
رابعا: التهديد الدبلوماسي، إذ ارتفع عدد الدول المؤيدة لقيام الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وحتى مجلس الأمن لولا الفيتو الأمريكي. الأمر الذي اعتبره ممثل الكيان في الأمم المتحدة هدية لحماس.
خامسا: التهديد الداخلي، إذ أن الانقسام الداخلي تزايد داخل الكيان بفعل التعديلات القضائية، مضافا إليه الاختلاف حول إدارة الحرب ومآلات العدوان على غزة، وعسكرة المستوطنات، والهجرة المعاكسة، والهجرة الداخلية، إذ تتأسس “تل أبيب الكبرى” بدل “إسرائيل الكبرى”.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن التطرف والإرهاب اليميني والديني الصهيوني، في حالة احتضار سياسي، وليس أمام مجتمع الكيان سوى الإطاحة به في الانتخابات القادمة للتكيف مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد.
التاريخ يعيد نفسه في غزة، فقد كان بن غوريون تحت نفس الظروف التي دفعته للانسحاب من غزة في الخمسينيات. ونتنياهو يعيد الأهداف نفسها وستنتهي به المغامرة إلى النهايات ذاتها.
رغبة بن غوريون ونتنياهو واحده، فقد هدفَ كلاهما إلى التخلص من أعداد الفلسطينيين المكثفة في غزة من خلال عملية التهجير والإبادة. لقد اعتقد بن غوريون أن الحالة الديموغرافية الفلسطينية في غزة، وتهديد المقاومة خطر على أمن الكيان لذلك عمل على إيجاد بدائل خارجية للسكان، لكنه فشل في ذلك بفعل التحول الذي طرأ على الموقف الدولي الرافض للهدف الصهيوني، وهو موقف معاكس لما كان سائدا بعد حرب 1948 إذ سمح الوضع الدولي آنذاك بالتهجير.
البيئة الضاغطة ذاتها على نتنياهو تتكرر اليوم، فالسكان يرفضون عملية التهجير، والمقاومة مستمرة في أداء أدوارها المشرفة، والمجتمع الدولي يرفض خطط التهجير، إذن فالنهاية المنتظرة واحدة بمنطق أن التاريخ يعيد نفسه، إذا تكررت معطيات الحدث التاريخي ذاتها.
الفرق الوحيد بين بن غوريون ونتنياهو هو أن الأول كان أكثر حكمة وأكثر فهما لدور المجتمع الدولي والرأي العام العالمي في استمرار الكيان الصهيوني. لقد طرح على نفسه السؤال الأهم:
“هل نستطيع أن نسحق الفلسطينيين كما فعل البريطانيون في قبرص أو الفرنسيون في الجزائر؟ إن غزة لعنة وخطر في جميع الأحوال، وعلينا ألا نعرِّض من أجلها أمننا للخطر في المستقبل وأن نصبح منبوذين في العالم”.
لقد أدرك بن غوريون أن المزيد من المجازر والإبادة والسحق العسكري هي الخطر الذي يهدد وجود الكيان، وأن المعركة تدار حول مكسب الدعم الدولي للكيان، باعتبار الكيان وليدَ قرار دولي في نشأته، ويتغذى من دعم الرأي العام الغربي لسرديته المزيفة، ومن ثمّة، فإن المزيد من جرائم الإبادة تعني تحرير الرأي العام الدولي من التأثير الصهيوني َجعل (إسرائيل) كيانا منبوذا.
لكن نتنياهو حاول تجاوز هذا السؤال السياسي والاستراتيجي، وفضَّل المغامرة باتخاذ قرار الإبادة، الأمر الذي شكَّل الطريق نحو التحوُّل في الرأي العام الدولي، وسقوط السردية الصهيونية.
نتنياهو انتصر للسياسة والمصالح الشخصية الحزبية على حساب المصالح الإستراتيجية للكيان، وهذه المقدمة الأساسية للهزيمة الإستراتيجية للكيان.
لكيان سيعلن انسحابه عاجلا أم آجلا، لكن نتنياهو تبرَّع بوضع مستقبل الكيان على المحك، والعودة بنا إلى النقاشات الأولى التي تناولت شرعية الكيان.
الفرق الوحيد بين بن غوريون ونتنياهو هو أن الأول كان أكثر حكمة وأكثر فهما لدور المجتمع الدولي والرأي العام العالمي في استمرار الكيان الصهيوني. لقد طرح على نفسه السؤال الأهم:
“هل نستطيع أن نسحق الفلسطينيين كما فعل البريطانيون في قبرص أو الفرنسيون في الجزائر؟ إن غزة لعنة وخطر في جميع الأحوال، وعلينا ألا نعرِّض من أجلها أمننا للخطر في المستقبل وأن نصبح منبوذين في العالم”.