علاقة التربية بالأخلاق الاجتماعية خير الدين هني
الرأي
علاقة التربية بالأخلاق الاجتماعية
خير الدين هني
2024/05/21
العلاقة بين التربية والأخلاق الاجتماعية، علاقة تلازم أبدي لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وإن كانت هذه العلاقة مشوبة بشيء من الغموض والإبهام، تجعل غير المتخصصين لا يدركون بُعدها النفسي وأثرها الأخلاقي والسلوكي، في بناء الفرد والمجتمع وفق الأهداف الكبرى التي تسعى التربية إلى بلوغها، وتسعى الدول والحكومات إلى تنشئة الأجيال الصاعدة على التمسُّك بفضائلها ومحامدها وقيمها المثالية، وهي العلاقة التي تجعل الفرد إنسانا قويا متماسكا ملتحما مع مجموعته الاجتماعية، في علاقة حميمية وغير متوترة، وصالحة له ولشعبه وأمته ووطنه، وملتزما باتجاهات دولته حينما تكون هذه الالتزامات، مؤسسة على معايير الحق والعدل والحوكمة والرشادة واحترام سيادة القانون في التطبيقات العملية، من غير نظر إلى الاعتبارات الذاتية والمصلحية التي تضر بالمصالح العليا للمجتمع.
وتستمدّ الأخلاق الفردية والاجتماعية المثالية، أثرها الجميل من الفلسفات التربوية النموذجية، وهي الفلسفات التي تؤخذ من ثقافة المجتمع وعاداته وأعرافه وآثاره التاريخية والحضارية، فهي التي تشكّل وعيه وإحساسه ومشاعره، ووجوده وشخصيته وكيانه وثقافته وهويته، وعلماء النفس وفلاسفة التربية كلهم يجمعون على هذه الحقيقة من غير اختلاف بينهم، من أمثال بوبيت وكانيي وتيلر وجون ديوي ووليام جيمس وغيرهم، فالتربية السليمة من الزيغ والهوى والانحراف عن معتقدات المجتمع الصحيحة، أو المرتجّلة أو غير المقنَّنة على أصول الوجاهة المعيارية، أو المقلِّدة لأنماط من الأساليب القديمة، التي لا تراعي قدرات الفرد ومواهبه واتجاهاته ودوافعه ورغباته وحريته في الاختيار، أو القائمة على مقاربات غير منسجمة مع أهداف التربية والتوجيه والإرشاد والتثقيف والتعليم التي اختارها المجتمع لتنشئة أبنائه.
والمجتمعات الإنسانية تترابط فيما بينهما بروابط الجنس والنوع والجغرافيا والمصالح المشتركة، وتختلف فيما بينها بعقائدها الدينية والأخلاقية والمذهبية والفكرية والتاريخية واللغوية والثقافية والحضارية، وهذا الاختلاف هو الذي يحفظ لها هوياتها العرقية والثقافية وخصوصيتها العقدية والأدبية، وهذه الخواص هي ما يجعل بعضها يتفاخر على بعضها الآخر، بما تتميز به من عمق في التفكير، وعلوّ في الارتقاء العقلي، وتفوُّق في العمل الإبداعي والابتكاري، ومن مثالية في السمو الأخلاقي والسلوكي والحضاري، والعلاقة المتلازمة بين التربية والأخلاق المثالية، هي من يؤسس للسيكولوجيا الإيجابية في التفاعل والفاعلية والاندماج الاجتماعي السوي، وتخلق الطاقة الإيجابية في ذات الفرد الإنساني، والطاقة الإيجابية هي التي تحرّك عقل الإنسان وتبعث فيه الحركة والنشاط والحيوية، فيصبح فردا نشطا مقداما غير هيَّاب، وتدفع عنه الخمول والكسل والتماوت والشعور بالإحباط والدونية والضّعة.
والتربية المنحرفة عن أصولها ومناهجها الصحيحة وأهدافها المنتظرة، هي ما يخلق في نفس الفرد الطاقة السلبية، والطاقة السلبية هي المثبّطة للعزائم، المميتة للقلوب والضمائر والعقول والمشاعر والوجدان والأبدان، فيصبح الفرد السلبي خاملا كسولا مستسلما لهواجسه وعواطفه، ضعيف العقل والإرادة، بليد التفكير، حائرا خوارا قلقا منفعلا متوترا، معاندا مشاكسا يميل إلى الخصومات، كيما يخلق في نفسه ما يسميه علماء النفس، التعويض عن النقص لإثبات الذات أمام الناس.
العلاقة المتلازمة بين التربية والأخلاق المثالية، هي من يؤسس للسيكولوجيا الإيجابية في التفاعل والفاعلية والاندماج الاجتماعي السوي، وتخلق الطاقة الإيجابية في ذات الفرد الإنساني، والطاقة الإيجابية هي التي تحرّك عقل الإنسان وتبعث فيه الحركة والنشاط والحيوية، فيصبح فردا نشطا مقداما غير هيَّاب، وتدفع عنه الخمول والكسل والتماوت والشعور بالإحباط والدونية والضّعة.
ولهذا نجد التربية الصحيحة لدى الشعوب الحيوية، وما يعضدها من أنساق سياسية وإدارية ومؤسساتية وإعلامية واجتماعية، هي الغالبة على المخيال الفردي والجمعي لمجتمعاتها، والأقلية عندهم من الأفراد السلبيين يتأثرون ولو بنسب معينة بغالبية الأفراد الإيجابيين، فتختفي بسبب ذلك المظاهر السلبية في تفكيرهم، وتنمو في نفوسهم المظاهر الإيجابية، كالمواظبة على العمل والتفنُّن في إتقانه وتجويده، فيظهر كل شيء عندهم جميلا، في التخطيط والاستشراف والتنفيذ والرقابة والمحاسبة، فينعكس ذلك كله على مظاهر التسيير السياسي والإداري والتربوي والعلمي والثقافي والعمراني، خلافا لما هو موجود عند الشعوب الخاملة، ممن يغلب عليهم التفكير السلبي، فنجد كل شيء عندهم رديئا ولا يتساوق مع المعايير المطلوبة في التفكير أو الإنجاز، والنتيجة أن كل المظاهر في هذا المجتمع تبدو للناس سيئة وغير جميلة، وتبعث الاشمئزاز والتقزُّز والنفور في نفوس من يشاهدون تلك المظاهر السيئة.
إن جوهر العمل في التربية الصحيحة، هو الاهتمام بالإنسان كفرد ومجتمع، وثنائية الاهتمام بالفرد والمجتمع أمرٌ تتطلبه عندنا أصول الدين والأخلاق والتربية وانتظارات المجتمع، ولا يجوز بأي حال أن نهتم بالفرد كعضو منفصل عن المجتمع، على حساب الحقوق المشروعة للجماعة، ونمنحه حقوقه الكاملة كما تجنح إليه نفسه وتتوق إليه رغباته، مثلما فعله الغرب في تاريخه الحديث، عندما تحلل من القيود الدينية والأخلاقية، فأصبحت الحرية الفردية هي المسيطرة على تفكير الإنسان الغربي ووجدانه وسلوكه، وأصبح المجتمع عندهم واقعا تحت السلطة القهرية للفردية، وقد وصلت به هذه الحرية إلى أقصى درجات الانحلال في الأخلاق والسلوك والآداب العامة، وسأفرد مقالا خاصا بأثر الحرية الفردية على التماسك الاجتماعي، في المجتمعات الغربية في قابل الأيام إن شاء الله تعالى.
والعلاقة بين الفرد والمجتمع والتربية والأخلاق وقواعد التهذيب والسلوك، علاقة متلازمة ولا ينفك بعضها عن بعض في تفكيرنا ومشاعرنا وتراثنا الفكري والثقافي، وإننا كأمة إسلامية متميزة بعقيدتها وأخلاقها وعاداتها وأعرافها، يتحتّم علينا إدراج هذه العلاقة في مناهجنا ونُظمنا التعليمية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية، إذا أردنا أن نكون أمة متميزة عن بقية الشعوب والأمم، بخصوصيتنا وهوياتنا ووجودنا وأهدافنا المستقبلية، وينبغي لأولي الأمر منَّا أن يقتنعوا بهذه الفلسفة الثنائية، إذا أرادوا الخير لبلدانهم وشعوبهم ومستقبل أجيالهم، والتاريخ لا ينسى أفضال من تمسَّكوا بهويات شعوبهم، وقادوهم إلى مراتب المجد والخلود، وذلك لا يكون إلا بالتمسُّك بفضائل بلدانهم وأمجاد أوطانهم، وحرَّضوهم على الاعتزاز بها في السر والعلن، مثلما يفعله الأسياد من خيار الأمم وحكمائهم، والمصلحين الدينيين والاجتماعيين والسياسيين منهم.
وشراذم اليهود والصهاينة من الجالوت التائهين على وجه الأرض، إنما بقوا على قيد الحياة من غير اندثار ولا زوال ولا انسلاخ، رغم نكباتهم التاريخية من الفراعنة والرومان والبابليين والاضطهاد الغربي الحديث لهم، ومضايقتهم من الأجناس المختلفة بسبب مكرهم وكيدهم وغدرهم وشرورهم، إنما كان لتعلّقهم الشديد بعقائدهم الدينية والثقافية والأخلاقية والعرفية، وهم يكرِّسون هذه العقائد والأخلاق والأعراف في مناهجهم الدراسية، ويجعلونها من مخرجات التربية وأهدافها المقدسة، ينشأ عليها الصغار ويموت عليها الكبار، وهم اليوم كما يراهم العالم بما فيهم العلمانيون والليبراليون ومن لا دين لهم، كيف يلبسون الطاقية اليهودية (كيبا بالعبرية)، على رؤوسهم في المناسبات الدينية والسياسية وفي طقوسهم التلمودية التي يتنفّسون بحبها، وهي تُرتدى للدلالة على الانتماء اليهودي حينما يلبسها رجال السياسة ووجهاء الثقافة والإعلام عندهم، أو حين يلبسها الساسة الغربيون ليتملقوا اليهود بلبسها ويُظهرون ودَّهم وولاءهم الأعمى لاتجاهاتهم الدينية والعقدية، مثلما فعله أوباما وبايدن وغيرهما، فضلا عن كونها علامة على تدين من يرتديها من اليهود المتطرفين.
بينما يتباهى الساسة العرب من أمم التطبيع، بانسلاخهم عن أصولهم الدينية والقومية، ويتملقون الغرب واليهود وعبدة البقر والفئران، بالتقرّب إليهم بالقبلات والعناق الحميمي، والتمسُّح بعقائدهم الدينية وبناء المعابد وإقامة الطقوس الوثنية على أراضيهم، استرضاءً لهم وجلبا لعطفهم وحبهم، وعلى هذا نرى اختلالا كبيرا أصاب البنية العلائقية بين مخرجات التربية والأخلاق السياسية، المنصوص عليها في أهداف مناهجهم الدراسية وانتظارات مجتمعاتهم، ولهذا ساد اليهود على العرب وأذلّوهم وجعلوهم أضحوكة أمام العالم.