إنصاف / أ .د- محمد الهادي الحسني
إنصاف
محمد الهادي الحسني
2024/04/28
إن أهم مبدأ تقوم عليه الدول وتستمر إلى ما شاء الله -عزّ وجل- هو مبدأ “العدل” وقد أكد الإسلام -قرآنا وسنة وسيرة- على هذا المبدأ، حيث جاء في كتاب الله -عزّ وجل- قوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”. وقد بلغ الحرص على مبدأ العدل إلى درجة أن الله -عزّ وجل- أنزل قرآنا يبرئ فيه يهوديا اتهم بسرقة هو بريء منها، رغم أن اليهود يقولون في الله -عز وجل- قولا إدّا مثل قولهم: “يد الله مغلولة”، وقولهم: “إن الله فقير ونحن أغنياء”، وقولهم: “نحن أبناء الله وأحباؤه”. ومن أجمل وأبلغ وأحكم ما قيل في تراثنا الإسلامي قول الإمام الماوردي، صاحب كتاب “الأحكام السلطانية”، وهو: “العدل أقوى جيش، والأمن أهنأ عيش”.
من أجل ذلك، استقرئ التاريخ تجد أن أكثر الفتن -جلّت أو قلّت- سببها حرمان فئة أو طائفة من العدل، ابتداء من أصغر خلية في المجتمع وهي الأسرة صعدا إلى الدول كبيرها وصغيرها وقد استشهد أحد الصحابة -رضي الله عنهم- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نحلة نحلها أحد أبنائها، فقال له رسول الله -عليه الصلاة والسلام: “أنحلت جميع أبنائك”، فقال: “لا، فغضب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وقال لذلك الرجل: “أتشهدني على زور؟”.
من أهم مكوّنات المجتمع الجزائري فئة السادة الأئمة الذين يهدوننا إلى الصراط المستقيم بأقوالهم وأعمالهم إلا قليل منهم يأمرون بالمعروف وينسون أنفسهم، ويقولون مالا يفعلون..
هذه الفئة بخسها المجتمع الجزائري -حكومة وشعبا- حقها، رغم دورها الحسّاس، فهي بمثابة الجندي الذي يحمي المجتمع من الداخل كما يحميه الجندي الآخر ضد أي عدوان خارجي.
لقد همّش الأئمة والعاملون في قطاع الشؤون الدينية، وقد بلغ الإحساس بالغبن بأحد السادة الأئمة أن أرسل رسالة إلى الشيخ عبد الرحمان شيبان قال له فيها: “أخرجني من بيت الله لوجه الله”، من أجل رفع هذا الغبن، شكّل الأئمة نقابتين، ولو كانوا على هدى لما عدّدوا النقابة، وناضلوا لرفع هذا الغبن، حتى استجاب المسؤول الأول في الدولة، فأصدر أوامره بإنصاف هذه الفئة بجميع أصنافها. (انظر جريدة “الشروق” في 24/4/2024، ص:4).
لم يبق على أفراد هذا القطاع إلا أن يكونوا صورة مثلى للإسلام، وأن لا يأمروا بأمر حتى يكونوا أول آخذ به عامل له، وأن لا ينهوا عن أمر حتى يكونوا أول تارك له.
كما على بعضهم أن يواصلوا رفع مستوياتهم، فقد سمعنا بعض الأئمة يفضحون أنفسهم بما يرتكبونه من أخطاء لا تغيب عن تلاميذ المتوسط والثانوي.
كما على الوزارة الوصية أن لا تعين في المساجد الكبرى إلا السادة الأئمة الجديرين بتلك المساجد، فقد لاحظت أن مساجد كبرى فيها أئمة “صغار” في العلم، وكلنا كذلك، ولكن “فوق كل ذي علم عليم”، ولاحظنا أن أئمة ممتازين في مساجد صغيرة، مع أن الأجرة بحسب الشهادة لا بحسب المسجد.
وأتم هذه الكلمة بما قاله إمام الأئمة محمد البشير الإبراهيمي:
لا نرتضي إمامنا في الصف ما لم يكن أمامنا في الصف