بذرة الزوال في جسم الكيان
بذرة الزوال في جسم الكيان
عمار يزلي
2023/12/22
منذ أن زرع هذا الجسيم الغريب في الجسد العربي الإسلامي قبل نحو 76 سنة، كان الهدف منه: التخلص من عبء اليهود عالميا قبل الحرب العالمية الثانية في كل أوروبا وبالأخص في ألمانيا، حيث تغولوا اقتصاديا، فكانت الفكرة النازية إبعاد اليهود إلى دولة أخرى، في القارة الإفريقية وفي آسيا وحتى أمريكا اللاتينية، ثم استقر الاختيار منذ 1933 في ألمانيا على تسهيل هجرة اليهود نحو فلسطين مقابل مزايا مالية لألمانيا، جمعتها في هذا المشروع. أما المحرقة، فقد جاءت على نحو متأخر ممن لم يستجيبوا لهذا “الطرد” الاختياري.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الهدف واضحا: خلق وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة من طرف بريطانيا التي “منحت ما لا تملك لمن لا يستحق”، إبعادا لهم باعتبارهم كانوا دوما يشكلون بؤر توتر أينما حلوا، كونهم كانوا يعرفون ذهنية اليهود المعادية ضمنيا لكل الأعراق والأديان، وتتحين الفرص للسيطرة الاقتصادية والتحكم، فكانت الفكرة هي توطين هؤلاء في فلسطين عبر أدبيات صهيونية كان هرتسل منظرها السياسي والإيديولوجي.
غير أن الهدف الآخر، كان زرع هذا الجسيم المشاغب المسكون بجنون القوة والنفوذ والتسلط على المحيط الداخلي والخارجي، وتحويل هذا الجسيم السرطاني إلى أداة للتحكم في المنطقة ككل. وهذا ما فعله الغرب مع العرب: بإضافة نقطة واحدة لحرف العين، من أجل إبقاء العرب تابعين للغرب، والتحكم في المنطقة عبر هذه الأداة العسكرية والاقتصادية المقدمة كقاعدة عسكرية متقدمة.
هذا ما يفسر اليوم الاستماتة الغربية والأمريكية في دعم هذا الكيان، بكل الوسائل: السلاح، المال، الدعم السياسي حتى في مجلس الأمن، حتى بالفيتو، وبالإعلام وبالمؤسسات الأممية حتى تلك التي تسمي نفسها مستقلة: الكل في خدمة هذا “الطفل المدلل المشاغب”، آخر ذلك ما نراه ونسمعه ونلمسه، ويقدم على شاشات العالم وفي وسائل التواصل الاجتماعي، من إبادة ومحرقة حقيقية في غزة وفي الضفة، بلا حسيب ولا رقيب ولا تنديد ولا شجب لمن يحرق ويدوس على القوانين الدولية وحقوق الإنسان، التي كانت، هذه الدول هي من أسس لها وفرضتها كقواعد، ثم كقوانين.
ثم، ها هي التحالفات تجري على قدم وساق من طرف الولايات المتحدة، بشكل مرتبك مرتجل وفاشل باسم الحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، فقط لأجل عيون هذا الكيان المصطنع، صنيع هذه القوة التقليدية، الذي تمكن اليمنيون، هذا الشعب الذي يعاني الحرب والدمار والحصار الغربي والعربي منذ 9 سنوات، من فرض حصار بحري على الكيان انطلاقا من باب المندب. تسارع أمريكا وبعض أتباعها في المنطقة من غير ذي وزن ولا قافية من غير بريطانيا، لتهديد اليمن الفقير، لكن المجاهد المقاوم المساند لغزة بقوة أكبر من طاقته، تحاربه، فقط لأنه طالب بإدخال المواد الإنسانية لغزة ورفع الحصار والظلم عنها. صار اليمني من منظور أمريكي معتديا، ضد العالم وحرية الملاحة ووجبت معاقبته عوض معاقبة الكيان، وكأن منع السفن من الإبحار باتجاه الكيان، تهديد للعالم بأسره، وكأن الكيان في ميزان تقييمهم هو العالم. العالم الذي يجب أن يبقى واقفا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وسط العالم العربي والإسلامي: الكيان وحده عالم قائم بذاته، يتحدى باقي العالم في كل الأمور بما فيها المحاكم العالمية والقوانين الأممية والدولية والأخلاق والأعراف.
هذا الغرور وعقدة الاستكبار والاستقواء على البقية من “الأغيار”، هو نقطة القوة ونقطة الضعف في الكيان وفي الفكر الصهيوني واليهودي، وهو سبب كل ما حل بهم سابقا وما سيحل بهم لاحقا.