تحالفٌ متصهين لحماية الاحتلال!
الرأي
تحالفٌ متصهين لحماية الاحتلال!
حسين لقرع
2023/12/19
يستدعي إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إنشاءَ تحالف بحري دولي للتصدّي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر على سفن الكيان الصهيوني والمتعاملين معه، تسجيلَ الملاحظات الآتية:
أوّلا: أن الاحتلال ليس عضوا في هذا التحالف الدولي المتصهين، بل إنّ عشر دول تقودها الولاياتُ المتحدة هي التي سترسل سفنها لخوض معارك بحرية مع الحوثيين، أي أنّ هذه الدول العشر هي التي ستعرِّض حياة جنودها للخطر من أجل عيون الاحتلال، وستحارب نيابة عنه، في حين أنّه لن يخاطر بسفينةٍ حربية واحدة ولا بحياة جنديٍّ صهيوني واحد، ما يؤكّد مدى حرص الغرب على وجود الكيان وخلوده في المنطقة العربية للإبقاء عليها ضعيفة مفكَّكة.
ثانيا: يضمّ هذا التحالفُ المتصهين في صفوفه عدة دول غربية منحازة كلّيا للاحتلال ومنها أمريكا وفرنسا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا وكندا والنرويج، لكنّ المفاجأة جاءت من إسبانيا التي اتّخذت من قبل موقفا مستقلا عن مواقف الدول الغربية؛ إذ زار رئيسُ وزرائها معبر رفح رفقة رئيس حكومة بلجيكا، وهناك ندّدا معًا بمجازر الاحتلال وعمليات الإبادة ومحاولات التهجير القسري للفلسطينيين وإحكام الحصار عليهم، وتعرّضت إسبانيا بسبب هذا الموقف لاستدعاء سفيرها بتل أبيب إلى “جلستي توبيخ”، لكنها بقيت ثابتة على موقفها، والآن تنقلب على عقبيها وتشارك في هذا التحالف الدولي المتصهين الرامي إلى حماية الاحتلال وفكّ الحصار البحري الذي يضربه عليه الحوثيون منذ أسابيع، فما الذي تغيّر من جانب الاحتلال حتى تُغيّر إسبانيا موقفها منه وتسعى إلى حمايته والدفاع عنه في البحر الأحمر ولو خاطرت بحياة جنودها وسلامة سفنها الحربية؟ هل توقّفت مجازرُه بحقّ الأطفال والنساء والمدنيين بغزة؟ هل فكّ حصاره عن فلسطيني القطاع وسمح بدخول ما يكفيهم من الغذاء والماء والدواء والوقود حتى تسعى إسبانيا إلى فكّ حصار الحوثيين عنه؟
ثالثا: تحدَّث وزيرُ الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن “حرية الملاحة الدولية”، أي حق سفن دول العالم جميعا في الإبحار بأمان في جميع البحار والمحيطات والمرور بسلامة في أي مضيق من دون أن تتعرّض لأيّ خطر أو قرصنة بحرية، وهذا الأمر يقرّه القانون الدولي فعلا، لكنّه كلمة حقّ أريد بها باطل؛ فهل احترم الاحتلالُ القانون الدولي حينما شنّ حصارا مطبقا على غزة منذ 2007 إلى اليوم؟ هل احترم وزيرُ دفاعه يوآف غالنت القانون الدولي عندما أعلن يوم 8 أكتوبر الماضي قطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود عن 2.3 مليون فلسطيني في غزة ووصفهم بـ”الحيوانات البشرية”؟ لماذا يسعى هذا العالمُ الظالم إلى فكّ حصار الحوثيين عن الاحتلال ولا يسعى إلى فكّ حصاره الجائر عن الفلسطينيين الذين يتعرّضون لخطر مجاعةٍ حقيقية في غزة؟ لماذا يصرّ الغربُ على مواصلة سياسة الكيل بمكيالين؟
رابعا: إذا كان وجودُ دولٍ غربية في هذا التحالف الدولي طبيعيًّا بالنظر إلى أنّ النصارى واليهود مِلة واحدة، وبعضهم من بعض، والدول الغربية لم تُخفِ يوما انحيازها السافر للاحتلال وتبرير جرائمه، فمن المؤسف أن نرى البحرين العربية المسلمة تنضمّ إلى هذا التحالف المتصهين، صحيحٌ أنّ هذا التحالف لا يعوّل على السفن الحربية للبحرين في معاركه المرتقبة مع الحوثيين، وستكون مشاركتُها رمزية بسفينةٍ أو اثنتين، لكنّ المسألة تتعلّق بالغطاء السِّياسي الذي توفّره للتحالف باعتبارها بلدا عربيا ومسلما، وسيُشهر الأمريكيون والغربيون هذا الغطاء ضدّ الحوثيين لتبرير الحرب التي سيشنّونها عليهم في البحر الأحمر نصرةً للاحتلال، وهذه سقطةٌ مدوّية أخرى للبحرين بعد سقطة التطبيع في أواخر 2020.
لم تكتفِ البحرين برفض قطع علاقاتها مع الاحتلال وإنهاء التطبيع رغم مجازره المهولة بحقّ الأطفال والنساء الفلسطينيين طيلة شهرين ونصف شهر من حرب الإبادة الإجرامية على غزة، بل تنضمّ أيضا إلى التحالف الدولي المتصهين الذي يسعى إلى حمايته وإفشال الحصار البحري الذي يضربه الحوثيون عليه منذ أسابيع.. تُرى، بأيّ منطق تفكّر البحرين؟! بدل أن تسعى إلى فكّ الحصار عن “أشقّائها” في غزة وإغاثتهم بما تيسّر من غذاءٍ وماء ودواء وأفرشة وأغطية وخيم في هذا الشتاء البارد، تسعى إلى فكّ الحصار البحري عن هذا الاحتلال المجرم النازي حتى تصل المؤنُ الغذائية وغيرها إلى جنوده القتلة بغزة في أحسن الظروف. أيّ زمنٍ عجيب هذا الذي نعيش فيه؟!
يبدو أنّه لم يبق الكثير حتى نرى قوّاتٍ عربية تدخل إلى غزّة، ليس لنُصرتها، أو لاتّخاذها منطلقا لتحرير الأقصى وفلسطين رفقة المقاومة، بل لمحاربتها جنبا إلى جنب مع قوات الاحتلال، أو نيّابة عنها، لأنّ هذه المقاومة تُفسد عليها مسارها التطبيعي الانبطاحي الاستسلامي.