«أَزِيلُوا إسرائيل، هذا هو الحل»
«أَزِيلُوا إسرائيل، هذا هو الحل»
: 2023-12-05
أ. محــمد الهادي الحســني
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
هذا عنوان كتاب لم يؤلفه عَرَبِيٌّ يدعُو إلى الثأر من اليهود الصهاينة الذين عاثوا في فلسطين فسادًا ، ولم يؤلفه مُسْلِمٌ متأثر بالقرآن الكريم الذي يؤكد بأن «أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا»، ولم يكتبه نَازِيٌّ قَبَضَ قَبْضَةً من أثر هِتْلَرْ الذي دعا إلى استئصال اليهود لما ألحقوه ببلده ألمانيا في أثناء الحرب العالمية الأولى؛ ولكن مؤلفة الكتاب هي أستاذة أمريكية تسمى إِيلِينْ بِيتِي، وقومها هم أكبر مُسَانِدٍ لهذا الكيان المختلق، بل هم أكبر وأهم مُؤسِّسٍ له.. ولولاهم لما كانَ هذا الكيان، ولمَا استمر بضع سنين..
لقد تآمرت دول الاستكبار العالمي فأسست هذا الكيان في فلسطين التي نزعتها من أهلها، وأخرجتهم من ديارهم، وجاءت بأمشاج من أكثر من ثمانين بلدا..
كان هدف الاستكبار العالمي من وراء ذلك التأسيس هو التخلص من اليهود الذين كانوا يسمونهم «الجراد» لكثرة فسادهم، كما كان ذلك التأسيس تكفيرا –زعموا- عما ارتكبوه من جرائم في أوروبا في حق هؤلاء اليهود.
ولكن الهدف الحق من هذا التأسيس هو زرع جسم سَرَطَانِي في قلب العالم العربي لإخبال أمره، وَمَنْعِ، أو تأخير نهضته، وإفشال إنجاز مشروعه الحضاري الإنساني النبيل، ذي الروح الإسلامي القائم على مبادئ الكرامة والمساواة والعدل بين الناس بصرف النظر عن أديانهم، وأعراقهم، وألوانهم..
كما أن مما ساعد على تأسيس هذا الكيان هو هذه الأنظمة العربية التي كانت مُسَلَّطَةً على شعوب المنطقة العربية، وهي أنظمة صَنَعَهَا الغرب على عينيه، وهي أنظمة عربية المظهر، ولكنها غربية الهوى والمخبر في نُظُمِهَا السياسية والاقتصادية والثقافية..
ناقشت المؤلفة المزاعم التي ﭑاستند إليها في تأسيس هذا الكيان، وهي «الحقوق الإنسانية، والحقوق السياسية، والحقوق الروحية»، وفَنَّدَتْهَا جميعا منتهية إلى حقيقة يَعْمَى عنها الطغاة وهي كما قالت: «إن المشروع الرامي إلى خَلْقِ مَلْجَإٍ آمِنٍ لليهود في فلسطين أخفق إخفاقا كاملا» (ص9).
لقد طرحت الأستاذة إِيلِينْ بِيتِي سؤالاً محوريا هو: «مَن هو صاحب الحق القانوني في فلسطين؟»، وبعدما ناقشت جميع الآراء انتهت إلى الجواب المنطقي الصحيح وهو: «هناك شعب واحد لا يكاد يذكره أحد، يكاد يكون منسيا من الجميع، ولكن هذا الشعب يجب أن يسمى ويُذْكَر، لأنه أهم من الجميع، ونعني به شعب فلسطين نفسه». (ص81). وبالتالي فإنه «ليس لليهود حق قانوني أو سياسي في فلسطين». (ص 87).
إن مزاعم دول الغرب النصرانية التي اعتبرت تأسيس كيان لليهود الصهاينة في فلسطين تكفيرا عما أُلْحِقَ باليهود من مظالم هو زَعْمٌ باطل فقالت: «المسؤول عن ضحايا اليهود الأوربيين ليس هو الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية، ولكن دول الغرب النصرانية»، وهو ما أَكَّدَهُ الأستاذ الأمريكي المختص في الدراسات التوراتية ميلر بوروز في كتابة المسمى «إسرائيل جريمتنا».(ص76). وهذا من أغرب وأعجب ما وقع في تاريخ البشرية، وهو أن يرتكب أُنَاسٌ جريمة أو جرائم ثم يُحَمِّلُونَ غيرهم المسئولية عنها.
إن دول العالم جميعا تنشد السلام، وتود أن تعيش في سلام، وما دام هذا العالم قد أصبح بَيْتًا كمال قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي فإن هذا «السلم لن يرفرف على نَحْوٍ دائم سرمدي في ذلك الجزء من العالم إلا بعد أن يُسْتَأْصَلَ سببُ القلاقل الرئيسي» كما تقول هذه الكاتبة.
إن كثيرًا من أولي النُّهَى من اليهود أنفسهم لا يرون مستقبلا لهذا الكيان المختلق، ومصيره –طال الزمان أو قصر- إلى زوال. وهذا ما انتهى إليه يهودي صهيوني اسمه افراييم سيلفيا في كتاب له سماه: «وداعاً إسرائيل»، مؤكدا أن هذا الكيان يحمل في أحشائه عوامل فنائه وزواله. وقد وصف قرار الأمم المتحدة بإنشاء «دولة إسرائيل» بأنه «الديناميت المفجر الموقوت». وهو –أي القرار- توقيع على وثيقة فناء «الشعب اليهودي». وليس هذا الأفراييم وحده في هذا الرأي بل يشاطره فيه غيره من أصحاب الأنظار البعيدة، ومنهم المؤرخ اليهودي كموس إيلوف الذي يقول: «إنني في حالة يأس، لأنني أخشى أن يكون الأمر قد فات، وقد قلت لكم نصف ما أخشاه». (جريدة الشرق الأوسط الصادرة في لندن بتاريخ1/4/2004).
وهذا ما انتهى إليه سياسي فرنسي كبير وهو دومينيك دوفيلبان، رئيس وزراء فرنسا الأسبق الذي قال : «عندما يكون مجتمع في طور الانحدار، عندها فقط يسارع إلى التمترس خلف الجدار». (مجلة الوسط. لندن. جويلية 2004. ص6).
إن هذه الجدران التي أقامها الكيان الصهيوني لم تحقق له أمانيه، وقد أكدت ذلك عملية «طُوفَان الأقصى» في 7/10/2023، حيث أذاقه «فتية آمنوا بربهم» وبحقهم في وطنهم ما لم يذقه منذ أسِّس على الباطل في أربعينيات القرن الماضي. وهو ما أكده من قبْلِ الجميع الإمام الإبراهيمي الذي آتاه الله بصرا حديدا وبصيرة سديدة، وحكمة بالغة، حيث كتب عند تأسيس هذا الكيان قائلا: «إن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت، وإذا نبت فإنه لا يثبت». (جريدة البصائر في 9/2/1948. آثار الإبراهيمي ج3. ص 444). فيا أهل صهيون، لا مقام لكم في فلسطين، فعودوا من حيث جئتم.
وأنبه إلى أننا لا نتبنى جميع ما ارْتَأَتهُ هذه المؤلفة من آراء، وما دعت إليه من حلول إلا ما جاء في عنوان كتابها وهو «أزيلوا إسرائيل، هذا هو الحل». وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18].