إعداد: عبد القادر قلاتي/ البصائر///بعد قناعة المشروع الاستعماري الغربي بالفشل الصهيوني: سيناريـــــو النّهايـــة في غــــزة
بعد قناعة المشروع الاستعماري الغربي بالفشل الصهيوني: سيناريـــــو النّهايـــة في غــــزة
: 2023-12-18
إعداد: عبد القادر قلاتي/
بعد أن تـأكت الدول الأوروبية بالفشل الواضح لكيانهم المزروع في أرض فلسطين، في القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، والدعوة إلى مخرج سليم من المستنقع الآسن الذي صنعوه بأيدهم، ها هي الإدارة الأمريكية الراعي الرسمي للشرذمة الحاكمة في دولة الكيان تدعم هذا الخيار بتصريح مفاجئ للرئيس الأمريكي بايدن، بأنّ الحكومة الصهيونية بقيادة المجرم نتنياهو لا يمكنها القضاء على المقاومة، ولا يمكنها إنهاء الأزمة وتسوية الوضع الذي رسمت خططه الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني بالتنسيق مع بعض الدول الإقليمية في الشرق الأوسط… في هذا التقرير الذي أعددناه توضيح مجمل لما ستسفر عنه هذه الحرب المجنونة على أهلنا في غزة العزة…
إدارة بايدن والتحول المفاجئ
جاءت التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن مفاجئة للطبقة السياسية في العالم، حيث طالب بايدن صديقه نتنياهو بتغيير «بعض وزرائه، معبرًا عن انتقاده للمسار الذي تنحوه إسرائيل في التعامل مع الواقع الميداني والأفق السياسي في غزة».
ولكن كيف يمكن قراءة هذه التصريحات في ظلّ انشغال المجتمع الأمريكي بالتحضير للانتخابات؟ هل هو مجرد تكتيك سياسي من جو بايدن لتحقيق مآربه السياسية، أم هو قناعة حقيقية باتت تتشكل في الولايات المتحدة بفشل حليفهم المحتل في تحقيق الأهداف المرسومة بالشراكة معهم أو قدرته على الانتصار في هذه الحرب؟.
وقد نقلت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية كلمة بايدن خلال فعالية لجمع تبرّعات لحملته الانتخابية بواشنطن قوله: «إنَّ الإسرائيليين بدؤُوا يفقدون الدعم الدولي». ونصح في كلمته رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، على تغيير تركيبة حكومتة، معتبرًا أنّ «سلامة الشعب اليهودي على المحكّ حرفيًا».
ثمّ عاد بايدن ليقول لقادة إسرائيل: «لا ترتكبوا أخطاء ارتكبناها في 11 سبتمبر، فلم يكن هناك مبرّر لفعل أشياء كثيرة كاحتلال أفغانستان».
وتشير تصريحات لخبراء سياسيين إلى تخوف الولايات المتحدة الأمريكية الجاد من المغامرة الصهيونية من الذهاب إلى توسيع نطاق الحرب، وهو الذي لا تريده واشنطن، وبالتالي بروز حالة الضغط لمنع حدوث ذلك.
كما أن إدارة بايدن بدأت «تشعر أنّ الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة باتت تشكل خطرا في حالة الضغط على استمرارية الحرب، وبالتالي حان وقت اتخاذ الموقف الذي قد يشكل لها ضاغطا للقبول بالأطروحات السياسيّة التي قد يتم العمل عليها».
ويبدو واضحا أن حجم الخسائر المتصاعدة في صفوف الجيش الصهيوني من شأنه أن يضاعف من صورة الهزيمة والهزة التي تعرضت لها دولة الكيان في السابع من أكتوبر، وبالتالي فإن أمريكا ترى أنه قد حان الوقت للوقوف عند هذا الحد وعدم الاستمرارية في الانزلاق الذي قد يعني انهيار المنظومة العسكرية واتساع فجوة الثقة بالجيش الصهيوني.
«إنّ الولايات المتحدة بدأت تشعر بشكل حقيقي بفقدان المواقف الدولية التي كانت تراهن عليها في توفير الغطاء للحرب، وأبرز دليل على ذلك ظهور الولايات المتحدة وحيدة في مجلس الأمن أمام رفض وقف إطلاق النار في مقابل تأييد باقي الدول ومن ضمنها التي تعتبر حليفا استراتيجيا لأمريكا كفرنسا وألمانيا».
في ظلّ هذا الوضع بدأت الإدارة الأمريكية تدرك عدم وجود أي مخرج واقعي للانسحاب من الحرب، وبالتالي أصبح «الخيار الآن أمريكيًّا بالبحث عن قرار لوقف الحرب، وترغب واشنطن أن يكون القرار إسرائيليًّا بغطاء أمريكي»،
وتؤكد تحليلات موازية أنّ الموقف الأمريكي يتغير نظرا لحالة الضغط التي باتت تتعرض لها الولايات المتحدة سواء خارجيًّا أو حتى في داخل المجتمع الأمريكي.
فقد بات من الواضح أن الولايات المتحدة أصبحت معزولة سياسيًّا في مواقفها، وهذا كان مؤشره واضحا في السلوك التصويتي في آخر جلسة لمجلس الأمن عندما صوتت أغلب الدول 13 دولة بنعم لصالح وقف إطلاق النار، وبريطانيا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة امتنعت عن التصويت، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ورفضت القرار.
أربعة سيناريوهات متوقعة
السيناريو الأول: تمكّن المقاومة من تكبيد جيش الاحتلال خسائر متزايدة متواصلة في الأفراد، ما سيزيد من اضطراب الشارع الصهيوني ودفعه للمطالبة بالدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب، بالتزامن مع المطالبة بإسقاط نتنياهو ومحاكمته، وخاصة إذا طالت مدة الحرب، ولم يتم تحرير الأسرى والرهائن.
السيناريو الثاني: تمكّن جيش الاحتلال من القضاء التام على فصائل المقاومة الفلسطينية، باستخدام قنابل ذات قدرة تدميرية عالية لم يسبق له استخدامها من قبل، تصل إلى أعماق بعيدة في الأرض، بعد إفراغ الشمال من ساكنيه. ويتوقع كثير من المراقبين صعوبة تحقيق ذلك بسبب تعقيدات شبكة الأنفاق، وعدم وجود مخططات لها لدى جيش الاحتلال.
السيناريو الثالث: اضطرار فصائل المقاومة إلى إعلان إيقاف القتال والانسحاب بفعل كثافة نيران الاحتلال ونجاحه في تدمير الجزء الأكبر من شبكة الأنفاق، حيث سيؤدي ذلك إلى انقطاع التواصل بين فرق المقاومة، وصعوبة الوصول إلى الذخائر والمعدات والمؤن. وسيتم إيقاف القتال والانسحاب بوساطة إقليمية ودولية وأممية. ولكن الأمر الذي يضعف هذا الاحتمال؛ تعارضه مع العقيدة القتالية الاستثنائية لدى كتائب المقاومة، هذه العقيدة التي لا مكان فيها للاستسلام ولا الهروب من الميدان.
السيناريو الرابع: حدوث مفاجآت غير متوقّعة عسكرية أو سياسية أو شعبية أو بيئية، تؤثر على سير المعركة، وتدفع باتجاه وقف عاجل لإطلاق النار والدخول في مفاوضات سياسية. ورغم صعوبة حدوث هذا الاحتمال، فإن تأرجح موازين القوى، وتغيّر مصالح الأطراف الإقليمية والدولية يجعلاننا نأخذه في الحسبان.
تواصل عمل الممرات الإنسانية، واستمرار تدفق النازحين باتجاه الحدود الجنوبية مع مصر، ما سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني بسبب عدم وجود أماكن للإيواء، والازدحام والفوضى، وغياب السلطات أو المؤسسات المنظمة لشؤون هؤلاء النازحين واحتياجاتهم اليومية. استمرار وصول المساعدات الإغاثية نحو الجانب المصري من الحدود، وإقامة معسكرات لجوء مؤقتة لاستقبال اللاجئين؛ بسبب الرفض المتوقع من قوات الاحتلال الصهيوني لدخول المؤسسات الإغاثية والإنسانية إلى قطاع غزة. استمرار مسلسل المناشدات والإدانات الإنسانية عربيًا ودوليًا، على المستويين: الرسمي والشعبي دون تأثير يذكر على سير المعركة.
وأمام هذا السياق المشحون بالأحداث المتضاربة، وأمام هذه الاحتمالات المحدودة؛ يجد الشعب الفلسطيني نفسه مع فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، أمام خيارات إجبارية صعبة لا مفر منها من أجل الانتصار في مواجهة المخطط الصهيو-أمريكي. فما هذه الخيارات؟ وما فرص نجاحها؟.
السيناريو الذي تريده أمريكا وإسرائيل
يفيد تقرير حديث نشرته صحيفة بوليتيكو إلى أن الإدارة الأمريكية بصدد إعداد خطة استراتيجية تتعلق بقطاع غزة ما بعد الحرب الإسرائيلية.
وخلال عمر العدوان الذي دخل الشهر الثالث، تزاحمت السيناريوهات التي وُضعت في إسرائيل والولايات المتحدة لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب والآمال بالقضاء على المقاومة الفلسطينية، في مشهد من التخبط الإسرائيلي الداخلي والخلاف مع واشنطن ما بين خطط سرية وعلنية.
في الوقت الذي يرفض نتنياهو فكرة أن تتولى سلطة فلسطنية الحكم في غزة بعد انتهاء العدوان، قالت بوليتيكو إن مسؤولي إدارة بايدن قد أمضوا أسابيع في صياغة خطة لعب متعددة المراحل لمرحلة ما بعد الحرب، وتتصور سيطرة السلطة الفلسطينية المتجددة في نهاية المطاف على قطاع غزة.
وحسب الصحيفة الأمريكية، فعلى الرغم من أنه حل غير مثالي، فإن المسؤولين الأمريكيين ينظرون إليه باعتباره أفضل الخيارات السيئة للمنطقة، خاصة بعد أن أدى العدوان الإسرائيلي إلى تدمير البنية التحتية وقتل الآلاف من الفلسطينيين وتشريد أكثر من 1.5 مليون آخرين.
وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يضع الولايات المتحدة على مسار تصادمي مع الحكومة الإسرائيلية.
وفي وقت سابق، قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن السلطة الفلسطينية هي الوحيدة التي يمكنها إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وأضاف خلال مشاركته في حوار المنامة: «حماس لا يمكنها إدارة غزة بعد الآن.. إذاً مَن سيدير غزة؟ أعتقد أن السلطة الفلسطينية هي الوحيدة التي تستطيع».
وفي هذا السياق، سبق أن قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إن السلطة يمكن أن تضطلع بدور في إدارة غزة إذا وُجد حل سياسي كامل، في إشارة إلى اتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، يشمل أيضاً الضفة الغربية المحتلة.
من جانبها أدانت حماس تصريحات البيت الأبيض المتعلقة بمستقبل غزة دون حماس، وأوضح القيادي في الحركة أسامة حمدان أن الولايات المتحدة تحاول تشكيل قيادة سياسية فلسطينية وفق معاييرها.
وأكد حمدان خلال مؤتمر صحفي مطلع الشهر الماضي، أن اختيار قيادة الشعب الفلسطيني شأن فلسطيني صرف يكون عبر الانتخابات.
سيناريو المنطقة العازلة
حسب ما نقلت رويترز عن مصادر إسرائيلية، مطلع الشهر الجاري، أبلغ نتنياهو وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن إسرائيل تنوي إقامة «منطقة عازلة» والسيطرة أمنيّاً على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع إن «إسرائيل تريد إقامة منطقة عازلة من شمال حتى جنوب غزة لمنع حماس وآخرين من التسلل ومهاجمتها».
وذكر مسؤول أمريكي أن إسرائيل عرضت علينا قضية «المنطقة العازلة»، لكنه شدد على أن واشنطن تعارض كل خطة من شأنها أن تقلص مساحة الأراضي الفلسطينية.
من جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: «لا ندعم تقليص المساحة الجغرافية لقطاع غزة، يجب أن تظل أرضاً فلسطينية ولا يمكن تقليص مساحتها».
سيناريو عودة الاحتلال
تصريحات نتنياهو الأخيرة وحديثه عن المنطقة العازلة في غزة توحي برغبة الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً أركانها اليمينية المتطرفة، في عودة جيش الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على القطاع عسكريّاً وأمنيّاً كما كان الأمر حتى عام 2005.
يذكر أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد أعلن أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكنيست يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حماس والمقاومة قد تستمر لعدة أشهر. ولكن بعد المهمة العسكرية، قال إنه سيجري إنشاء «نظام أمني جديد» في غزة وستنتهي «مسؤولية إسرائيل عن الحياة اليومية في قطاع غزة». ولم يوضح كيف يمكن أن يبدو وضع ما بعد الحرب بشكل ملموس، ومن سيحكم المنطقة.
وعلى فرض أن إسرائيل تمكنت من فعل ذلك مرة أخرى، فإن مثل هذه الخطوة يمكن أن تثير أيضاً «هجمات مسلحة جديدة، مما سيكون له أيضاً تأثير إشكالي في توازن القوى الإقليمي»، حسب ستيفان ستيتر، أستاذ السياسة الدولية بجامعة القوات المسلحة الفيدرالية الألمانية في ميونيخ، خلال حديث له مع DW.
سيناريو القوات والإدارة الدولية
وفقاً لما أورده تقرير موسع لمعهد الشرق الأوسط، يتمثل السيناريو الرابع في نشر قوة دولية قوية لضمان نزع السلاح الشامل والأمن، مع وضع قطاع غزة تحت إدارة دولية مؤقتة. وهذا يتطلب استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب الفصل السابع، وهو ما يبدو غير مرجح إلى حد ما في المستقبل المنظور، نظراً إلى الطريق المسدود بين دول حق النقض في المجلس، الولايات المتحدة من ناحية وروسيا والصين من ناحية أخرى. علاوة على ذلك، انخفض الحماس الدولي تجاه بعثات حفظ السلام القوية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
وسبق لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن صرح سابقاً بأن «الولايات المتحدة ودولاً أخرى تدرس مجموعة من البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة، إذا جرى عزل المقاومة الفلسطينية عن الحكم».
وحتى لو أمكن التوصل إلى اتفاق دولي، فإن إسرائيل ستظل على الأرجح مصرة على تدابيرها الأمنية، والمناطق العازلة (كما في السيناريو الثاني).. علاوة على ذلك، فإن الأمم المتحدة و/أو الدول المساهمة بقوات ستطالب بأن يكون نشر القوات جزءاً لا يتجزأ من عملية حل الصراع السياسي على المدى المتوسط، يليه نقل السيطرة على غزة إلى السلطة الفلسطينية. ومن المرجح أن ترفض إسرائيل كلا الأمرين، خصوصاً في ظل حكومة اليمين المتطرف الحالية.
حرب نفسية
في المقابل، يشكك كثير من الباحثين والخبراء بالمخططات الإسرائيلية وواقعيتها وإمكانية تطبيقها، في ظل الحرب الإعلامية والنفسية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بالتوازي مع عدوانه المتواصل.
المحلل السياسي ومدير جامعة القدس المفتوحة في بيت لحم أسعد العويوي أوضح أنه لا يرى «إمكانية لإنهاء حركة حماس وبالتالي حكمها».
وقال العويوي في مقابلة صحفية أن حركة حماس «حركة تحرر وطني راسخة في وجدان الشعب الفلسطيني وجزء أصيل منه، وليست نفقاً أو بناية يتم القضاء عليها».
وأشار العويوي إلى أن أصحاب مشروع الإدارة البديلة «يستبقون الأحداث، فنتيجة المعركة هي التي ستحسم الأمور، وليس بوسع الولايات المتحدة ولا إسرائيل ولا القوى الغربية إنهاء روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني، أو تنصيب إدارة لقطاع غزة».
واعتبر العويوي أن التصريحات الأمريكية، هي جزء من الحرب النفسية على الشعب الفلسطيني.