يا آل غزة علّمونا..
على بصيرة
يا آل غزة علّمونا..
: 2023-11-15
أ. د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
أنتم – يا شعب الله الأطهار- يا من أنضجتكم تجارب الحرب، ودربتكم فنون إتقان حسن الضرب، ولقنتم دروسا في البطولة والفداء للعدو ومن شايعه من الغرب !، علمونا يا كبار العقول والنفوس، بعضا من هذه الدروس، التي ستخلد بمداد الذهب في كلّ الطروس.
انظرونا نقتبس من قوة نوركم ونستلهم التضحية والفداء من نبل شعوركم، ونتزود بزاد التقوى من إستراتيجية ثغوركم.
لقنونا يا مهندسي كتائب القسّام، كيف يصبح كلّ شيء فينا كبيرا، مثلما هو عندكم؟ كيف يصير طفلنا مثل طفلكم، كبير العقل والتفكير، وقوي الوعي والتدبير، وصلب الإيمان، بمستقبل المصير؟
أعيرونا، يا أبطال غزة، بعضا من إكسير الحياة، نعزز به طاقة العطاء، والبذل والتضحيات ونبعث بفضله، بعض النُّوَم عندنا، في رحلة جديدة إلى الحياة.
فقد أسقطتم أقنعة النفاق، عن كلّ الذين ظلوا يمارسون بين صفوفنا، دور المزيف من الوفاق، والعناق بين الرفاق.
انقضى ما يزيد على الشهر منذ دشنتم نهر الفتح المبين، بطوفان الأقصى الرصين، وها أنتم تكتبون في كلّ لحظة، بدماء أبنائكم واستشهاد نسائكم، وهدم بنائكم، آيات في ملحمة التحرير، وإلحاق الهزائم بالعدو المتغطرس المُغير، وإن يوما من شهركم، كعام في عمر عدوكم الجبان، الصائر إلى ذل وإلى هوان.
وإن تعجب فاعجب، لتصامم البعض من كبرائنا، عن سماع نداء العزة من أهل غزة، أولئك الذين لا يزالون يولون الأدبار لنداء الجهاد، ويقدمون للعدو الزاد، والعتاد، والإمداد، والإسناد.
إنها المعادلة الدينية، والإديولوجية والأخلاقية التي لم نجد لها، رغم تقدم العقل، حلا يقنع الألباب، ويزيل عنا الاضطراب.
فالانتماء للدين يفرض التضامن مع المعَذبين باسم التدين الصحيح، ويوجب التصدي للمعتدين بكل ما يمكن من منطق صريح، وبيان فصيح.
والتخندق الإديولوجي، يفضي إلى القيم الإنسانية التي تنتصر لصرخات المعذبين من النساء والأطفال، والشيوخ العزل المعوزين. والمعادلة الأخلاقية تلزم الانتصار للفضيلة، وأولى مبادئ الفضيلة الأخلاقية، الوقوف في وجه العدوان والظلم.
فما لهؤلاء القوم، المتخاذلين عندنا لا يكادون يفقهون حديثا، فلا هم متدينون نقنعهم بمنطق الدين، الذي يلتقي حوله كلّ عاقل، ولا هم مؤدلجون حقا، نخاطبهم بما هو صالح من الإديولوجيا، وبعض الإديولوجيا فيها منطق سليم، وليتهم يملكون ذرة من الأخلاق، إذن لوجدوا، في قيم العدل، والمسؤولية، والحق، والحرية، بعض ما يلزم بالوقوف مع المعَذبين من النساء، والأطفال والعزل من المدنيين.
فما هو الحل – والحالة هذه- إذن؟
إن منطق الشعوب هو الذي يجب أن يسود وأن يعلو، ولا يعلى عليه.
فسلاح التظاهر، ومنهج المقاطعة للأعداء، وأسلوب الاعتصام، هو وحده الكفيل، بفرض فعالية التصدي للتحدي الصهيوني المتغطرس؛ ورائدهم في هذا كله قول الشاعر العراقي معروف الرصافي، في قوله:
عجبتُ لقومٍ يخضعون لدولةٍ يسوسهمْ بالموبقات عميد
وأعجب من ذا أنهم يرهبونها وأموالها منهم ومنهم جنودها
فيا غزة العزة، والصمود، والإباء!
علمينا كيف نرقى إلى شموخ أبنائك في الاستهانة بكيد الأعداء، واللامبالاة، أمام الألداء؟
ألهمي الجماهير الشعبية الطيبة، مبادئ الإيمان بالنصر، والخروج من المحنة برأس عال يملؤه الفخر، والاقتداء، في هذه القيم، بالمؤمنين الأولين من صحابة غزوة بدر.
إننا قوم -مهما ادلهمت الخطوب –سنبقى واثقين من أن ساعة النصر قد دنت، وأن نهاية الكيان الصهيوني قد قربت وويل لمن لم يع الدرس إلى اليوم، ولا يزال يكابر، ويطاول في الآجال، بالولاء للأعداء من القوم.
إن القضية الفلسطينية قد خرجت اليوم بعد طوفان الأقصى من أيدي الحكام المتخاذلين، وتسلمها العلماء العاملون والمجاهدون الفدائيون، والأغنياء الباذلون والمواطنون المصلحون، وحريٌ بهؤلاء، وقد اجتمعت كلمتهم وتوحدت مواقفهم، واشتدت عزيمتهم أن يعجلوا بساعة النصر، الذي لاحت آفاق فجره، والويل للمتخاذلين الذين سيسوقهم التاريخ إلى قبر العدم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.