حين برقت فكرةُ (بدر) عند المسلمين أول الأمر، كانت مجردَ غارةٍ على قافلةِ أبي سفيان يَغنَمُونَها ثم يرجعون، ولكن الله أرادها غزوةً كبرى تنتصرُ فيها كلمةُ التوحيد وتعلو فيها رايةُ الإسلام وتؤرّخُ لأولِ معركةٍ بين الحق والباطل امتدَّ الإسلامُ بعدَها في كل الآفاق؛ كان محمدٌ،، صلى الله عليه وسلم، ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من أصحابه، منهم من الأنصار بضع وأربعون ومائتان، ولم يكن معهم إلا فَرَسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها !!
وقد شعر، صلى الله عليه وسلم، بالخوف على دين الحق، وقد رأى اختلال موازين القوة، فقريش زحفت بترسانةٍ هائلةٍ من كبار الفرسان المتمرسين في الحرب، يركبون خيولهم، فكان يلحُّ في دعائه ربَّه: اللهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي ؟ اللهُمَّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا (مسلم). ..
وربما كان أقصى ما سعى إليه مُجاهدو القسام في السابع من أكتوبر، يوم (طوفان الأقصى) أن تحقق عمليتَهم المُباغتة أسر عددٍ من الجنود الصهاينة، وأراد الله لها أن تكونُ معركةَ فلسطين الكبرى، حيث بعثت القضيةَ من جديد، وأكدت للعالم الوجهَ الإجرامي الدموي للكيان الصهيوني، وكشفت عورةَ الأنظمة العربية العميلة والمتخاذلة، وأسقطت قناعَ علماء السلاطين وفقهاء البلاط، وكشفت حقيقةَ النظامَ الغربي الذي عاش دهراً يقدمُ لنا أكذوبةَ الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والقيم الإنسانية.
في بدر علمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الانتصارَ بالدعاء، لقد نام الصحابةُ ليلةَ بدر، وباتَ هو قائماً يُصلي إلى شجرةٍ ويدعو دون توقف: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فأسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين”.. وفي غزةَ اليوم تعلمنا أن نستن بسنة نبينا في الحرب: الدعاء .. كلماتٌ خالصات من قلبٍ موقنٍ مؤمنٍ مُستغيث تستنزلُ الملائكةَ … وتستجلبُ النصر. .. فضجَّ في كل بيتٍ مسلم التضرُّع إلى الله أن ينصرَ المقاومةَ في فلسطين.
في بدر علمنا القرآنُ أن الله يُدافعُ عن الذين ءامنوا وجاهدوا حين أثبتَ لنبي الله فعلَ الرمي ونفى عنهُ بلوغَ الهدف “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ”، ليُرسّخَ في نفس المُجاهد الرباني عقيدةَ النصر بالله حتى حين لا تتكافأُ القوى، وتكونُ يدُ الباغي الظالم أقوى ويكونُ جندُه أشرسَ وأكثر ، وليمنحنا نحن القاعدين عن الجهاد فرصةً غسل وجوهنا بماءِ الكرامة وذلك بالبذل والتبرع، وبإشاعةِ فكر الجهاد ضد المحتل وغرس كراهيته في القلوب كل من الموقع الذي هو فيه . فنحنُ نفعلُ كل ذلك ولكن الله هو من يبلغ الغايةَ ويصيبُ الهدف ويحققُ البُغية.
إن طوفانَ الأقصى لم يكن مجرد اقتحامٍ لأسوارِ العدو الصهيوني بل كان سيلاً جارفاً أتى على الذل والهوان فأزهقهما، وكشفَ عوراتِ المخذّلين والمرجفين ففضحهم، وأظهرَ المُتاجرين بالدين ممن اشتراهم البلاط وأتخمتهم موائدُ السلطان فأخنَسَهُم، وغسلَ القلوبَ التي رانَ عليها القنوط واستيأست من صحوة الجهاد وصهوة جيادِ النصر فأحياها وأعادَ لصوتِ الممانعةِ والإباء قوته وسطوته.
إننا لا نقولُ لمن أعمى الجُبنُ أبصارَهم: انظروا فتيةَ غزة فاقتبسوا من نورهم –لا سمح الله- ولكننا ندعوهم إلى قراءةِ السُّنَن .. سُنَنَ الله الكونية لعلهم يتذكّرون.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.