غزة بين دمعة وابتسامة
/غزة بين دمعة وابتسامة
أ. عبد العزيز كحيل/
هي في القلب بين دمعة عن هواننا وابتسامة ترسمها البطولات العسكرية والسياسية.
تكاد قلوبنا تنفجر، بلغت الحناجر، ضاقت علينا الأرض بما رحبت، الموت أفضل لنا من حياة الذل والعجز، لا تؤلمنا المجازر التي يرتكبها الصهاينة بقدر ما يؤلمنا ما نحن عليه من عجز وهوان وموات، ألهذا الدرك الأسفل وصلت الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس؟ لا أستطيع إغاثة إخواني، لا أستطيع التواجد معهم في ساحة المعركة لمؤازرتهم وخدمتهم، لا أستطيع نصرتهم وهم يواجهون الكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا بصدور عارية… نشاهد، نتفرج، يعجبنا أبو عبيدة ثم نأوي إلى الطعام والنوم والحياة العادية…ماذا يمكنني أن أفعل من أجل غزة؟ لا شيء، فالحدود تحرسها الأنظمة الوظيفية حراسة مشددة للمحافظة على أمن الاحتلال الغاصب، والشوارع والطرقات لا تمتلىء بالمحتجين إلا بإذن من السلطة، الهتاف مخصص لهوس الأندية الرياضة، تبين أن شعارا «مع فلسطين ظالمة أو مظلومة « مجرد شعار… سقطت الشعارات الزائفة وزالت المساحيق الخداعة وبقيت غزة وحدها…لا أشك لحظة أن أهل غزة أفضل حالا منا، فمن مات منهم فهو شهيد، أما نحن فإننا أموات غير أحياء ونحن نمشي على الأرض.
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
لكن تعلمنا الكثير من درس المقاومة، منها أن إرادة بلا إمكانات تصنع الإمكانات، بينما إمكانات بلا إرادة كحمار يحمل أسفارا، كنا نقرأ عن البطولات في بطون الكتب ونتعجب كيف يواجه بضع مئات من المسلمين آلافا من جنود العدو ويهزمونهم، وربما ظن بعضنا أنها أخبار فيها مبالغات، لكننا الآن نراها بأعيننا في غزة الشهامة، كتائب قليلة العدد والعدة تلحق خسائر كبيرة يوميا بما يسمى «الجيش الذي لا يقهر»، فانتظروا الكرامات والخوارق الربانية، ويكفينا قول أبي عبيدة:» كلما ظنوا أننا انتهينا سنعلمهم أننا بدأنا من جديد».
نتألم ونشتكي لكن العويل ليس حلا، الذي يصنع الفارق هو الإعداد الإيماني لجيل النصر المنشود، وقد ذكروا أن صلاح الدين الأيوبي كان صغيرا يلعب مع الأطفال في الشارع، شاهده أبوه فأخذه من وسط الصبية ورفعه عاليا بيديه، وقال له:» ما تزوجت أمك وما أنجبتك لكي تلعب مع الصبية، ولكن تزوجت أمك وأنجبتك لكي تحرر المسجد الأقصى»، وتركه من يده فسقط على الأرض، فنظر إليه أبوه فرأى الألم على وجهه فقال له: آلمتك السقطة؟ قال صلاح الدين: آلمَتْني، قال له أبوه: لِمَ لمْ تصرخ؟ فقال: ما كان لمحرر الأقصى أن يصرخ…هكذا تكون التربية بالقدوة الحسنة لإعداد جيل النصر.
نعم، قلوبنا تكاد تنفجر من الغيظ، لكن يجب أن نتذكر واقعة من التاريخ القريب: في الحرب العالمية الثانية دُمرت مدينة ستالينغراد الروسية تدميرا كاملا من طرف الجيش الألماني وحوصرت حصارا شديدا لكنها لم تستسلم بل قامت بهجوم مضاد وأسِرت 95000 جندي ألماني منهم قائدهم برتبة ماريشال، ومنها انطلق تحرير الاتحاد السوفييتي وفيها احتفلوا بهزيمة ألمانيا…وغزة أقوى من ستالينغراد.
مع الهمّ الذي يختلجنا هناك الأمل الماثل أمامنا، ومن صوره الإمداد القادم من اليمن الشقيق أعاد الله له سعادته، وبالمناسبة أذكّر أن الحوثيين ليسوا روافض بل هم زيدية وهم أقرب الطوائف إلى أهل السنة، ومنهم قمم من علمائنا مثل الصنعاني والشوكاني وابن الوزير والزنداني.
آلامنا يطاردها الأمل، فلا خوف على غزة ما دامت المرأة هناك- وخلافا للمجتمعات العربية الحديثة – تتولى إعداد الرجال إعدادا إيمانيا، وما دام في المقاومة كتائب تسمى «كتائب الحٌفاظ» تضمّ المجاهدين الحافظين لكتاب الله.