أغبياء عملاء!
لرأي
أغبياء عملاء!
سلطان بركاني
2023/12/13
قبل أكثر من ثُلث قرن من الزّمان، قال الدّاعية الملهم الشّيخ محمّد الغزالي -طيّب الله ثراه-: “ليس من الضّروريّ أن تكون عميلا لتخدم عدوّك؛ يكفي أن تكون غبيا”.. تذكّرتُ هذه المقولة الخالدة وأنا أجد بعض إخواني من شباب هذه الأمّة يشاركون صورة لأحد الدّعاة المحسوبين على التيار المدخلي، وهو يخرج من منزله القديم المهترئ في حيّ شعبيّ فقير، ويكتبون معلّقين: “هذا منزل العلاّمة فلان الذي يُتّهم بأنّه عميل”!
الغريب في الأمر أنّ هؤلاء الشّباب أنفسهم يشاركون مقولات تحذّر من الاغترار بما يَظهر على بعض أهل البدع من زهد وورع وما يعرف عنهم من حسن تعبّد، ويسوقون قول أيوب السختيانيّ -رحمه الله-: “ما ازداد صاحب بدعة اجتِهادًا إلَّا ازداد من الله بُعدًا”! ما يعني أنّ الزّهد ليس معيارا -عندهم- للحكم على العلماء والدّعاة بأنّهم على الطّريق الصّحيح ويدعون إلى الدّين الصّحيح..
لكن كيف استقام عند هؤلاء الشّباب أنّ زهد داعية معيّن دليل على أنّه لا يعمل لصالح أيّ جهة؟ ذلك لأنّهم يظنّون أنّ الجهات المهتمّة بتسخير العلماء وتجنيد الدّعاة لا تزال تلجأ إلى الأساليب البدائية القديمة في الإغداق على من تريد استمالتهم لخدمة أجنداتها! وأنّ كلّ عميل يفترض أن تظهر عليه آثار الثّراء ويراها الجميع ماثلة أمامهم! وغاب عنهم أنّ هذه الأساليب ما عاد يُلجأ إليها إلا في بعض الحالات القليلة، وغالب من تتمّ الاستفادة من خدماتهم إنّما ينقادون بأساليب أخرى لا يُحتاج معها إلى بذل مال أو طلب لقاء، إنّما يكفي أن الجهات التي تضع عينها على داعية لتستميله أن ترسل إليه من مقرّبيه من يغدقون عليه بالمديح على تصدّيه للمتربّصين والعملاء المفترضين.. وربّما لا تحتاج للوصول إلى هذه الخطوة، حين ترى منه حماسه المتّقد في الولاء لمنهج ترعاه وتروّج له!
المتربّصون بالأمّة وبدينها، ما عادوا في حاجة إلى سُرَرِ الأموال ليلقوها بأيدي من يشترون ولاءهم ومدحهم، إنّما أصبحوا يرقبون الأغبياء المتحمّسين أصحاب الأصوات المرتفعة الذين يعلمون ظاهرا من واقع أمّتهم وواقع العالم، ولا يستفيدون من دروس التاريخ القريب ولا البعيد، ولا يهتمّون بالأولويات، ولا يرتّبون الصّراعات.. هؤلاء الأغبياء المتحمّسون، يتطوّعون بغبائهم لخدمة أجندات الأعداء المتربّصين من دون أن يدخل في حساباتهم دولار واحد! يخوضون المعارك التي يراد لهم أن يخوضوها في الأوقات التي تُختار لهم، ودائما ما تكون معاركَ تنكأ خاصرة الأمّة، في أوقات حرجة تحتاج فيها الأمّة إلى تكاتف جهود كلّ أبنائها!
هؤلاء العملاء هم الأكثر تفضيلا لدى مراكز الدراسات العالمية المهتمّة بالبحث عن أنجع السبل في التعامل مع الإسلام والإسلاميين، لأنّ عمالتهم تخفى على كثير من المسلمين ويغترّ بهم قطاع عريض من المتحمّسين الذين تخدعهم الشّعارات وتستميلهم الأصوات المرتفعة!
لقد تبدّت هذه الحقيقة واضحة في أحداث غزّة الأخيرة، حين فجعت الأمّة بدعاة يتكلّمون باسم السنّة ويتمظهرون بها، لكنّهم يطعنون في المرابطين ويؤلّبون ضدّهم ويبرّرون للتّطبيع مع الصّهاينة! فهؤلاء -في الغالب- لا يعملون لصالح أيّ جهة داخلية أو خارجية، لكنّهم أغبياء اعتنقوا منهجا ظنّوه ممتدا بجذوره إلى عصور الأمّة المزهرة، وهو في حقيقة أمره خلاصة عملية انتقائية مقصودة أشرفت عليها مخابر معروفة، وشارك فيها علماء تنقصهم الإحاطة بالواقع، وُضعت بين أيديهم معطيات مغلوطة ليصلوا إلى النتيجة التي يراد لهم أن يصلوا إليها!