السلاحُ العربي.. الغائبُ الأكبر
الرأي
السلاحُ العربي.. الغائبُ الأكبر
محمد بوالروايح
2023/12/13
يصف الإعلام الغربي ومعه بعض الإعلام العربي ما يحدث في غزة بأنه معركة بين إسرائيل وحماس في حين أنها معركة بين إسرائيل وكل الوطن العربي، الذي هو جزء من الوطن الأكبر وهو الوطن الإسلامي، لأن غزة ليست إلا جزءا من هذا الوطن المترامي الأطراف الذي يمتلك من الإمكانات الطبيعية والبشرية ما لا يمتلكه أي جزء آخر من العالم.
وإلى جانب هذه الإمكانات الطبيعية والبشرية، تمتلك الدول العربية ترسانة حربية يمكنها -كما يقول المحللون العسكريون- محو إسرائيل من الوجود، فأكثر مخازن السلاح –حسب تقديرات هؤلاء المحللين العسكريين- موجودة في الخليج ويتوزّع الباقي بين بعض الدول الإسلامية في آسيا وبعض الدول المغاربية. لكن المفارقة -كما يضيف هؤلاء المحللون العسكريون- أن هذا الوطن العربي بهذه الإمكانات الهائلة قد وقف عاجزا أمام شرذمة صهيونية تفعل ما تشاء وتصول وتجول في غزة وفلسطين كما تشاء، وقد يسأل سائل: لماذا يعجز الوطن العربي بهذه الإمكانات الهائلة والأسلحة المتطورة عن مواجهة إسرائيل؟ ولماذا يتردد الحكام العرب في استخدام هذه الإمكانات وهذه الأسلحة ونحن في عز المعركة الكبرى التي بدأت في غزة وستمتد إلى كل الوطن العربي في ظل تخاذل عربي محقق وصمت دولي مطبق؟
إن الجواب على هذه الأسئلة يكمن في الأسباب الآتية:
وطن عربي مفكك
إن المسألة في الحقيقة ليست مسألة عجز عربي أمام الكيان الصهيوني، وإنما هي مسألة وطن عربي مفكَّك عملت كثير من العوامل السياسية والظروف الإقليمية والدولية على تفكيكه من خلال إذكاء الصراعات المذهبية والعرقية التي أدت إلى عودة حروب “داحس والغبراء” التي أشعلت الحرب الطائفية في لبنان والعراق وامتدت إلى ليبيا والسودان وتوشك أن تمتد إلى ما وراءهما من البلدان في ظل استمرار سياسة “فرِّق تسد” التي ترعاها الصهيونية العالمية التي تروم الانتقام لهزائمها التاريخية في المنطقة العربية.
إن وضع الوطن العربي اليوم أشبه بوضع الممالك الإسلامية في المراحل الأخيرة من عمر الدولة الإسلامية في الأندلس، إذ تحوّلت كل مملكة إلى دولة قائمة بذاتها يقضي فيها ملكُها بما يروق له وما يصلح لمملكته من غير تفكير في عاقبة ذلك على الوطن الأم الذي أصبح هيكلا بلا روح وهو ما سهَّل الـمَهمّة على الملوك الكاثوليك الذين استغلوا هذا الوضع فنقضوا الممالك الإسلامية الواحدة تلو الأخرى فانقضت على إثرها عُرى الدولة الإسلامية وطُرد المسلمون من الأندلس شر طردة، وهي الحالة التي سيؤول إليها الوطن العربي والإسلامي المعاصر الذي يغني فيه كل على ليلاه ويجرُّ النار إلى قرصه غير آبهٍ بما يصيب الأجزاء الأخرى من الوطن العربي والإسلامي.
المعارك الطائفية تشغلنا عن المعركة الحاسمة
قد يظن بعض القراء أن هذه العبارة تحمل اتهاما للجيوش العربية بالتحريض على الصراعات الداخلية التي تكون في الغالب الأعم وليدة دعوات العصيان المدني التي يتولى كبرها المناهضون للحكم في بعض الدول العربية، وهذا اعتقادٌ خاطئ وتأويل مجانبٌ للصواب. إن الاعتقاد والتأويل الصحيحين لهذه العبارة هو أن السلاح العربي موجه أو أريد له بالأحرى أن يكون موجها لحسم المعارك الطائفية التي تشعلها الجماعات المتطرفة التي فضلت منطق المغالبة والمنازلة لحسم خلافها الأيديولوجي مع النظم الحاكمة عملا بالتفسير الخاطئ لفكرة “الحاكمية لله” لسيد قطب رحمه الله.
إن إشغال الجيوش العربية بالمعارك الطائفية من شأنه أن يشتِّت هذه الجيوش ويشغلها عن هدفها الحقيقي وهو التفرُّغ للمعارك الحاسمة التي تستهدف الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها المعركة بينها وبين الكيان الصهيوني.
قيادة عربية مشتتة
لقد اتفقت القيادات العربية في مؤتمرات القمة التي سبقت حرب 5 جوان 1967 على تشكيل قيادة عربية موحّدة ومعالجة الخلافات فيما بينها، ولكن الفكر الوحدوي لم يصمد طويلا، إذ طغى الفكرُ الأحادي القائم على فكرة الدفاع الأحادي واضطرّت المجموعة العربية إلى خوض ثلاث معارك منفصلة وبصفة منفردة على ثلاث جبهات فيما سمي حرب الستة أيام التي تجرع فيها العرب مرارة المواقف الأحادية التي كان من ثمارها النكدة احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجولان وأجزاء من الأراضي الأردنية.
يبدو أن هذا المشهد يتكرر في أكتوبر 2023 فيما يتعلق بموقف القيادات العربية في معركة غزة الحالية، فهناك قياداتٌ عربية تقف من هذه المعركة موقف المحايد مقتنعة بفكرة أن الصراع بين إسرائيل وحماس ولا يعني المجموعة العربية في شيء، وقيادات عربية محكومة باتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني وما تمليه بنود هذه الاتفاقية، وقيادات عربية لا تزال متشبثة بموقفها الداعم لفلسطين وللمقاومة.
جيش صلاح الدين غير قابل للاستنساخ
يمنِّي بعضُ العرب والمسلمين أنفسهم بعد اشتداد الكرب وتأخر العرب عن نصرة أهل غزة بعودة صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس، وهذه الأماني رغم براءتها وعفويتها تنم عن موقف متخاذل يعيش على انتصارات الماضي ولا يفكر في حاضره ومستقبله وعاقبة أمره، فالقائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أدَّى ما عليه وأفضى إلى ربه ويبقى على هذا الجيل أن يؤدي ما عليه تجاه دينه وووطنه وأمته “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون”. (البقرة 134).
يجب على هذا الجيل أن يأخذ بالأسباب التي أخذ بها القائد صلاح الدين والتي مكّنته من تحرير بيت المقدس، لا أن يمنّي نفسه بعودة صلاح الدين، فصلاح الدين قائد عسكري وليس مسيحا منتظرا. لقد كان صلاح الدين الأيوبي صاحب عقيدة قتالية يؤمن بأن الحرب عمل مضن لا تتحقق ثماره إلا بالصبر والمصابرة وإعداد العدة ولذلك لم يُؤثر عنه أنه لان أو استكان في حربه ضد الصليبيين. يجب أن تسري هذه العقيدة في نفوس أجيالنا الحاضرة؛ فمحاربة الكيان الصهيوني تحتاج إلى شخصية ثابتة ونفسية مقاومة ولا تنفع معها شعارات “الموت لإسرائيل” و”خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود”، شعارات تصدح بها الحناجر ولكن لا نجد لها أثرا في الواقع، فلا إسرائيل أمَتْنا ولا جيش محمد صلى الله عليه وسلم أعدْنا!
سلاح فعّال لعزل إسرائيل ولكن..
إلى جانب السلاح الحربي بكل أصنافه، يمتلك العرب أسلحة أخرى ليست أقل فتكا وهو سلاح النفط، وقد جربت الدولُ العربية النفطية في حرب أكتوبر 1973 هذا السلاح ضد الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل، وهو ما دفع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع غطاء الدعم نسبيا عن الكيان الصهيوني.
إن سلاح النفط غير قابل للتكرار في هذه المعركة لأسباب يعرفها العامُّ والخاص متعلقة بالخلافات العميقة التي تميز الموقف العربي الحالي وخاصة بعد عملية التطبيع.