أولئك الذين “تحسبهم جميعا”.. عمار يزلي
أولئك الذين “تحسبهم جميعا”..
عمار يزلي
2023/12/08
هذه قاعدة عامة: كلما لاحظت الشقاق والخلاف وسط فريق موحّد افتراضا، فاعلم أنما أصل الخلاف والصراع هو الضعف والهزيمة أو الشعور بهما، وعلى العكس من ذلك، كلما شهدنا التماسك والتآزر والوحدة والتآلف بين الفريق الموحّد افتراضا، دل ذلك على قوتهم وشعورهم بالغلبة.
هذا ما يحدث اليوم في غزة: فصائل المقاومة على اختلاف مشاربها الفكرية والعقائدية والإيديولوجية والسياسية الحزبية، خاصة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية”، هي اليوم في أوج تلاحمها الميداني والعملياتي، تترجمها غرف عمليات مشتركة داخل القطاع، تماما كما تجمعها غرف عمليات مشتركة لكل قوى محور المقاومة. يشير هذا بالتأكيد إلى قوة المقاومة وصلابتها وإيمانها الراسخ والعملي المتفاني من أجل الانتصار وفقط الانتصار أو من دونها الشهادة. في المقابل، ماذا نلمس في المعسكر الآخر: صراعا وتراشقا وتضارب مصالح ومواقف واتهامات متبادلة وخصومات، تصل أحيانا إلى درجة التشهير والاتهام والقذف والتشكيك وعدم الثقة حتى بين أعضاء مجلس الحرب الذي هو أعلى هيئة أمنية سياسية عسكرية زمن “العدوان” أو كما يسمونه هم “الحرب”.
أكثر من ذلك، إنهم لا يلتقون إلا ليصبُّوا غضبهم وحنقهم على المدنيين في غزة بدعوة مبطَّنة أن كل “طفل فلسطيني هو مشروع إرهابي”، وكل امرأة حامل هي مشروع منتج “للمخربين والإرهابيين”.. هذا كل ما يجمعهم: الدم الفلسطيني، ماعدا ذلك، فالكل يأكل لحم أخيه ميتا أو حيا، الكل ينهش الكل، والكل يحاول أن يزايد على الكل في أنه أكثر قوة وتحمسا لمزيد من التقتيل والتخريب والإبادة. يدل هذا كله على المأزق غير المسبوق الذي يعيشه الكيان من الداخل، تضاف إليه كل التوابل والبهارات الذاتية التي تعمل على إطالة عمر العدوان، أملا في إطالة أعمارهم السياسية والوظيفية وفي تحقيق صورة نصر ولو مهزوز يضمن لهم ولو جزءا بسيطا من مستقبلهم السياسي والأخلاقي والمعنوي خارج السجن أو خارج القبر.
الثقة صارت منعدمة بين “الإخوة الأعداء” أكثر من أي وقت مضى، وأي نهاية للحرب اليوم أو غدا، ستشعل النار في بيت العنكبوت، عندما تكشف الساق عن الساق وتفضح الأوراق وتتضح أحجام الخسائر البشرية والمادية، ومدى الكذب والتعتيم والمنع من نشر الحقائق وإخفاء الأكاذيب والترويج لروايات سافلة في سرديات الـ7 من أكتوبر وما تلاه، وتلفيق وخلق للأعذار وإفلاس أخلاقي منقطع النظير، كل هذا سيساهم في انهيار منظومة هذا الكيان المسكون بجنون العظمة والانتقام الأعمى والغرائز الحيوانية السافلة حتى على “القردة والخنازير وعبد الطاغوت”.
لقد وصل الأمر أن طلب رئيس وزراء الكيان، المهدّد بالسجن بعد نهاية العدوان، وقد شرعت المحكمة من جديد في بحث ملفاته المطوية بشأن الفساد، طلب أن تفتش أغراض حتى قائد أركان جيشه عند دخوله اجتماعا لمجلس الحرب، وهذا بعد أن أصدر مكتب نتنياهو أمرا بمنع تسجيل اجتماعات “الكابيني” أو حتى تحرير محاضر بما قيل أو يقال فيه. كل هذا يشي بأنه يخاف على مستقبله حتى من وزراء حكومته وقيادة جيشه الأكثر قربا. أكثر من ذلك، أنهم يلتقون على الدم الفلسطيني ثم يتفرَّقون زرافات ووحدانا بعد انفضاض الجمع ولا يجتمعون حتى في مؤتمر صحفي جامع.
كل هذا، إنما ينمّ عن الضعف والخذلان والشعور بالخوف من المستقبل الشخصي أولا، ثم المستقبل الأمني العام لدولة الكيان الزائل حتما.
وعليه، ليس أصدق من قوله، تعالى، عنهم: “لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدر بأسُهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”، (الحشر: 14).