هل نحن الآن خير أمة؟ ل-أ / محمد الهادي الحسني
الرأي
هل نحن الآن خير أمة؟
محمد الهادي الحسني
2023/12/06
من إيماني بالله – عز وجل- إيماني بكل ما جاء في هذا القرآن الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم، فأنا بفضل الله – عز وجل- لا أمتري في حرف واحد من هذا الكتاب فضلا عن كلمة أو آية أو أكبر، فللّه الحمد والمنّة، وأجد من الطمأنينة النفسية عند سماعه ما يجعلني أشعر كأنني أسبح في عوالم ساحرة لا مثيل لها.
ولكنني أكاد أضرب رأسي على حائط أو صخرة فتتطاير في الفضاء عندما أسمع أناسي يرددون آية كريمة ويسقطونها على واقعنا الإسلامي اليوم كأن هذه الآية الكريمة نزلت فينا، ونحن كأمة أبعد الناس عنها..
هذه الآية هي قول ربنا – تعالى جده- هي: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، وأكاد أجن عندما يؤكد بعضنا على أنها تنطبق على جميع المسلمين في كل عصر ومصر..
وأسرح طرفي مما أراه بعيني وألمسه بيدي مبتدئا بنفسي حتى لا أزكيها ولا أبرئها فلا أجد أثرا لهذه الخيرية.. ثم أنشر خريطة هذا العالم المنسوب إلى الإسلام وأسيح فيه من “طنجة إلى جاكرتا” – كما يقول الأستاذ مالك ابن نبي- فأتخيل الإمام محمد البشير الإبراهيمي شاخصا أمامي وهو “يشرح” واقع هذه الأمة قائلا منذ سبعين سنة ونيف: “وجاء هذا العيد والهوى في مراكش يأمر وينهى، والطغيان في الجزائر بلغ المنتهى، والكيد في تونس يسلّط الأخ على أخيه، وينام ملء عينيه، والأيدي العابثة في ليبيا تمزق الأوصال وتداوي الجروح بالقروح، وفرعون في مصر يحاول المحال ويطاول في الآجال، ومشكلة فلسطين أكلة خبيثة في وجه الجزيرة العربية.. والأردن قنطرة عبور للويل والثبور، وسوريا ولبنان يتبادلان القطيعة، والحجاز مطمع ورّاث متعاكسين، ونهزة شركاء متشاكسين، وقد أصبحت حماية “بيته” معلقة بحماية “زيته”، واليمن السعيدة شقية بأمرائها مقتولة بسيوفها، والعراق أعيا داؤه الرّاق، وتركيا لقمة في لهوات ضيغم، تستدفع تيارا بتيار، وتستجير من الرمضاء بالنار، وفارس طريدة ليثين يتخاطران، وباكستان لم تزمع التشمير حتى رهصت بكشمير، والأفغان تحاول الكمال فيصدها الخوف من الشمال، وجاوة – أندونيسيا- لم تزل تحبو، تنهض وتكبو، وتومض وتخبو.. هذه ممالك العروبة والإسلام كثرت أسماؤها وقل غناؤها”، (آثار الإمام الإبراهيمي، ج3 ص 483).
فقل لي بربك – أيها الملاحظ- هل تغير واقعنا كثيرا؟ وأخشى أن يكون داؤنا قد استفحل، وأن علاجنا قد استصعب واستشكل، وصار بأسنا بيننا، وبعضنا يضرب رقاب بعض وأعداؤنا يتفرجون علينا ويضحكون منا، فأين هي “الخيرية” ونحن نستعين بالأعداء، ونستقوي بهم على الأشقاء، ونحن نستجدي الغذاء والدواء، وأكثرنا يكابد الجوع والعراء.
إن دواءنا من عللنا هو في الإيمان الصحيح، والأخوة الصادقة، والعلم الغزير، والعمل الكثير، أو كما قال الأستاذ ابن نبي ما معناه “أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق” لا فرق في ذلك بين عالم وجاهل، وحاكم ومحكوم، وذكر وأنثى”.