هزيمتان مذلّتان في غزة وأوكرانيا
هزيمتان مذلّتان في غزة وأوكرانيا
حسين لقرع
2023/12/05
هناك تصريحان على قدر كبير من الأهمية لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، والأمين العامّ لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، ينبغي التوقُّفُ عندهما لأنَّهما يحملان في طيّاتهما اعترافين صريحين بقرب هزيمة أمريكا والغرب في غزة وأوكرانيا.
وزيرُ الدفاع الأمريكي قال إنّ الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكسب الحربَ في غزة إذا واصل قتل المدنيين، وسيتحوّل ما سمّاه “نصره التكتيكي” إلى هزيمة استراتيجية، وإن كنّا نتحفّظ على هذا “النصر التكتيكي” بالنظر إلى ما يجري في الميدان من إخفاقات متتالية لجيش الاحتلال أمام صناديد المقاومة. أمّا الأمينُ العامّ لحلف الناتو فقد دعا دولَ الغرب إلى “الاستعداد لسماع أنباء سيّئة من أوكرانيا” معترفا بأن “الوضع في كييف حرِج”.
لنبدأ من غزة حيث تدور معارك ضارية بين المقاومة وجيش الاحتلال على عدة جبهات، وقد أثخنت في جنوده وآلياته العسكرية، ووثّقت الكثير من عملياتها البطولية بالصور، وأعلنت القضاء على عشرات الجنود منذ انقضاء الهدنة التي أحسنت استغلالها جيدا لإعادة ترتيب صفوفها واستئناف المعركة. ورغم التكتّم الشديد للعدوّ على خسائره، إلا أنّ الفيديوهات التي نشرتها المقاومة لتفجير دباباته وآلياته وقنص جنوده، تلخّص حجم المأزق الذي وقع فيه العدوُّ حينما قرّر الدخول إلى مستنقع غزة في محاولةٍ عنترية فارغة للقضاء على المقاومة، وهو الهدف الذي حدّد الرئيسُ الفرنسي مانويل ماكرون آجال تحقيقه بعشر سنوات كاملة، ولعلّه بذلك كان يسخر من الاحتلال؛ إذ ليس هناك جيشٌ في العالم ربح حرب عصاباتٍ شنّتها ضدّه مقاومةٌ تتحصّن بالكهوف والأنفاق، ولعلّ ماكرون يتذكّر تجربة الثورة الجزائرية التي حاول خلالها نصفُ مليون جندي فرنسي القضاء على المجاهدين في مغاراتهم بالجبال قرابة ثماني سنوات قبل أن يتأكّدوا من استحالة تحقيق هذا الهدف ويستسلموا للأمر الواقع وينسحبوا من الجزائر في 5 جويلية 1962، والأمر ذاتُه حدث للاحتلال الأمريكي في السبعينيات مع ثوار الفيتنام المتحصّنين بالأنفاق، ومع طالبان في كهوف جبال تورا بورا بأفغانستان بين 2001 و2021، وقد كان يضطرّ إلى التسليم بالهزيمة في كلّ مرة والانسحاب مذموما مدحورا، مع أنه يملك أقوى جيش في العالم.
واليوم يحاول الاحتلالُ الصهيوني إنجاز ما عجزت عنه فرنسا في الجزائر وأمريكا في الفيتنام وأفغانستان، معتقدا أنّ القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات والتي تزنُ الواحدة منها طنّا كاملا من المتفجّرات، ستمكّنها من تحقيق هذا الهدف، فلا يُنجز شيئا غير ارتكاب مجازر مهولة في كلّ مرة.. في ظرف شهرين نفّذ الاحتلال نحو 10 آلاف غارة جوية على غزة، وألقى عليها أزيد من 40 ألف طنّ، ودمّر نصف الوحدات السكنية، وقتل نحو 22 ألفا أغلبهم من النساء والأطفال، باحتساب العالقين تحت الأنقاض، وجرح 42 ألفا آخر، وهجّر 80 بالمائة من السكان من ديارهم.. ومع ذلك لم يسيطر فعليّا على الأرض، ولم يحقق أيَّ نصر على المقاومة، وهو يتكبّد يوميا خسائرَ بشرية ومادية فادحة تؤشر لهزيمةٍ مدوّية ستلحق به قريبا، وستكون هزيمة كبيرة أيضا لداعميه جميعا، وفي مقدِّمتهم الولايات المتحدة التي وفّرت للاحتلال ترسانة هائلة من الأسلحة المدمِّرة في هذه الحرب، وكانت شريكا فعليا له في مذابحه الوحشية بحقّ آلاف الأطفال والنساء، وستكون أيضا هزيمة لبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وباقي دول تحالف الشر والعدوان التي ساندت الاحتلال ودعمت جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي يرتكبها منذ شهرين كاملين، وعدَّتها “دفاعا عن النفس” وسكتت عن حصار 2.3 مليون فلسطيني وحرمانهم من الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء، في جريمة حربٍ كاملة الأركان.
أمّا تصريحُ أمين عامّ الحلف الأطلسي ستولتنبرغ، لقناة “إي آ ردي” الألمانية، فهو اعترافٌ ضمني بقُرب هزيمة أوكرانيا وانهيار نظامها النازي، بعد قرابة عامين من الحرب التي وقف فيها الغربُ كلّه وراء كييف وساندها بقوة، وإذا سقط نظامُها قريبا، فلن يكون ذلك أيضا نصرا لروسيا على أوكرانيا فحسب، بل أيضا على الولايات المتحدة ودول الغرب كلّها التي وقفت بقوَّة وراء نظام زيلينسكي ودعمته بأحدث الأسلحة ومئات الملايير من الدولارات لاستنزاف روسيا وإضعافها وتفكيكها مستقبلا.
هما هزيمتان مؤكّدتان وكبيرتان تنتظران الغرب كلّه في غزة وأوكرانيا قريبًا، هزيمتان ستكسران عجرفته وغروره، وتُنزلانه من عليائه، وتُنهيان هيمنته، وتُرسيان نظاما دوليا جديدا متعدّد الأقطاب، وبعدها سيتغيّر الكثيرُ في هذا العالم ولن يعود كما كان من قبل.