جوانـب من عبودية المعصـوم عليـه الصلاة والسلام
اسلاميات
جوانـب من عبودية المعصـوم عليـه الصلاة والسلام
بقلم : الشّيخ عبد المالك واضح*
3 ديسمبر 2023 (منذ يومين)
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين”.
خاتم النبيين من أعظم ما منَّ الله به علينا، فإذا كانت الأمم تفتخر بعظمائها الذين بنوا أمجادها، فما علمنا رجلا أسدى لبني لأمته من المجد والعطاء أعظم ولا أجل من رسول الله، فإذا سمعت عن عظيم ما، فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا المعصوم عليه الصلاة والسلام، فإنه أعظم وأعظم مما سمعت. وجوانب حياته عليه الصلاة والسلام كثيرة لا تحصى، لذلك سنقتصر على جانب واحد وهام، وهو العبودية في حياته صلى الله عليه وسلم، فقد مدحه ربه بالعبودية: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}، {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}.
والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم يعلم من خلالها أنه قد ضرب لأمته مثلا أعلى في العبادة، فكان أعبد الناس لمولاه: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، فقد كانت حياته كلها عبادة، ومن ذلك أنه كان يطيل صلاته بالليل مناجيا ربه، يقول حذيفة: “قام صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء فدخلت معه في الصلاة، فافتتح سورة البقرة، فقلت: يسجد عند المائة فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله، ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريبا من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريبا من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريبا من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريبا من الأولى”. يقول ابن مسعود كما في الصحيح: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه”.
فالصلاة حصن المسلم وملجؤه الذي يأوي إليه، وهي العروة الوثقى التي يعتصم بها، والحبل الممدود بينه وبين ربه الذي يتعلق به، هي غذاء الروح وبلسم الجروح وسلاح الأعزل، لذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، يقول: “أرحنا بها يا بلال”.
وكان صلى الله عليه وسلم يتحرّى صوم الإثنين والخميس ويقول: “تُعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم”، وكان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت: من أي الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي الشهر يصوم”. وكان يصوم عاشوراء، ويأمر بصيامه، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: “لم أر رسول الله يصوم في شهر أكثر من صيامه لله في شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلا، ولم يصم شهرا كاملا إلا رمضان”.
وأما ذكره لربه، فقد كان أكمل الخلق فيه، بل كان كلامه كله ذكرا، يقول ابن عمر رضي الله عنهما: “إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم”، وإذا كان النبي يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. تُرى، كم يلزمنا نحن من الاستغفار والتوبة؟
ولأهمية ذكر الله، كان رسول الله يحث أصحابه ويحضهم عليه: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى”. وفي الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ بشبر، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا، تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”.. والله ولي التوفيق.
*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر