لا تتركوا مواقعكم ولا تضعوا أسلحتكم
الرأي
لا تتركوا مواقعكم ولا تضعوا أسلحتكم
سلطان بركاني
2023/12/04
أعجبني التفاتة الكاتب المصريّ المبدع والأستاذ المربّي، خالد حمدي، حينما استشهد بموقف جبريل -عليه السّلام- مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قبيل غزوة بني قريظة، حين عاد المؤمنون من غزوة الأحزاب وبهم من الإرهاق ما الله به عليم، فوضعوا أسلحتهم واستعدّوا للخلود إلى الراحة، فوقف أمين الوحي على النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وقال: “أوَضعتَ السّلاح؟ فإنّ الملائكة لم تضع أسلحتها. اخرج إلى بني قريظة”.. استشهد الكاتب بهذا الموقف ليوجّه رسالة إلى المسلمين بأن يحذروا فتور الهمم وخور العزائم بعد تطاول أمد المعركة في غزة. فالعدوّ قد عاد إلى إجرامه، والمسلمون يجب عليهم أن يعودوا إلى جهادهم بالمال والإعلام والدعاء.
ما أن انتهت أيام الهدنة الإنسانية بين فضائل المقاومة من جهة وبين المحتلّ الصهيونيّ من جهة أخرى، حتى عاد المجرمون إلى استهداف البيوت والمستشفيات والملاجئ، وأسقطوا في اليوم الأوّل بعد الهدنة أكثر من 170 شهيدٍ معظمهم من الأطفال والنّساء، بالتزامن مع وصول إمدادات عسكرية ومالية أمريكية جديدة إلى الصّهاينة، ومع إعلان سلاح الجوّ البريطانيّ مشاركته في الحرب على غزّة! فهل يصحّ والحال هذه أن يركن المسلمون إلى دنياهم ويتوقفوا عن دعمهم لإخوانهم في غزّة؟
أبوابٌ من الجهاد مفتوحة
صحيح أنّ عامّة المسلمين ليس بأيديهم السّلاح ولا مفاتيح المعابر لينصروا بسواعدهم إخوانهم في غزّة، لكنّ الدّعم الماليّ مبذولة أسبابه في كثير من بلاد المسلمين، ولله الحمد، خاصّة في الجزائر التي تداعت فيها كثير من الجمعيات لجمع ما أسمته “جهاد المال” راجية إيصاله إلى المرابطين والمنكوبين في القطاع.. فليس يعذر -والواقع ما ذُكر- كلّ من ملك ما يزيد على حاجاته الضرورية في التخلّف عن هذا الباب.
الجهاد الإعلاميّ – كذلك- متيسّر لكلّ أحد في زمان الفضاء المفتوح، وقد رأينا كيف أنّ أمريكا المتحكّمة في أهمّ المنابر الإعلامية العالمية، أزعجها ميل أكثر رواد مواقع التواصل -خاصة تيك توك- إلى دعم غزّة ضدّ الصهاينة، ما يشكّل تهديدا حقيقيا للسياسة الأمريكية المبنية على دعم الكيان الغاصب، بل يمثّل كابوسا للوبي الصهيونيّ الذي يقود السياسة الأمريكية.
الكلام عن قضية غزّة -أيضا- باب من أبواب الجهاد، ينبغي أن يظلّ مفتوحا، وينبغي لكلّ مسلم أن يجعل الدّفاع عن المرابطين والمجاهدين والحديث عن إبادة المدنيين، على سلّم أولوياته في كلّ المجالس.. ومع الكلام ينبغي ألا تتوقّف الألسن عن اللهج بالدّعاء الذي يخالط شغاف القلوب وتخفق له الأرواح، بأن ينصر الله عباده المجاهدين، ويكشف كرب المكروبين، وينزل بأسه ورجسه على الصّهاينة المعتدين.
الاعتصام بحبل الإسلام واجب الوقت
جانب آخر مهمّ في الربط بين أحداث غزّة وغزوة بني قريظة، يظهر جليا في وجوب توحّد كلمة المسلمين في عقد الولاء للمرابطين والبراء من المعتدين ومن أعانهم ورضي بفعلهم.. النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- حينما نزل عليه الأمر بالانطلاق إلى ديار بني قريظة، نادى في أصحابه: “لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة”، فانطلق الصحابة رغم التعب والإرهاق لمواجهة العدوّ الخائن، وحينما أدركتهم العصر في الطّريق، صلّى بعضهم وقالوا إنّما أراد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن نعجّل بالمسير ولم يرد منّا أن نؤخّر الصّلاة، وقال بعضهم الآخر: لن نصلي حتى نصل إلى ديار بني قريظة كما أمر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- فما صلّوا العصر حتى غربت الشّمس.. اختلفوا في تعجيل الصّلاة وتأخيرها، لكنّ ذلك لم يجعلهم يتفرّقون ويختلفون حول قتال العدوّ المشترك.. بل انطلقوا إليه على قلب رجل واحد وحاصروه حتّى استسلم، وحين ذكر للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ما حصل من خلاف، ابتسم وما عاب أحدا من الطرفين، ما دام المختلفون قد اجتمعوا على الهدف المشترك.. وهكذا المسلمون في هذه النّازلة، ينبغي ألا تجعلهم خلافاتهم يتفرقون حول فرض التصدّي للعدوّ المشترك.. المعركة بين مسلم وكافر، وكلّ مسلم يشارك في المعركة تُقبل مشاركته مهما كان اختلافه مع باقي المسلمين، وقبول مشاركته ومباركتها لا تعني أبدا إقراره على خطئه أو الرضا بمشروع خاص يتبناه ويعمل له.
في حرب البوسنة (1992- 1995م)، تلقّى المسلمون -الذين كان أغلبهم سنّة- الدّعم من باكستان وإيران والسعودية وتركيا وماليزيا، ولم ينكر أحد على البوسنيين قبول الدّعم من هذه الدولة أو تلك.. وغزّة الآن في أمسّ الحاجة إلى دعم المسلمين جميعا على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، وإن تخاذلت بعض الأنظمة فالشعوب المسلمة ينبغي ألا تتخاذل أو تتأخر في تقديم ما تستطيع تقديمه.