الـ”بي بي” تحت الشجرة
الـ”بي بي” تحت الشجرة
عمار يزلي
2023/11/24
عندما رفعت حكومة “بي بي” كما يلقبه بنو جلدته، سقف طموحاتها غير المحدودة في: “سحق حماس” و”استعادة الأسرى عبر العملية البرية” و”تغيير خارطة المنطقة”، إنما كانت تنطلق من عقدتين أساسيتين: أولهما، عقدة المنتقم، الذي مُرّغ كبرياؤه في الوحل على يد فتية غزة المقاومين الذين لم يكن يحسب لهم لا “نتن ياهو” ولا جيشه ولا حكومته أي حساب، حتى أنهم فكّروا في أن حماس لن تقوم لها قائمة منذ حرب الـ51 يوما عام 2014.
وثانيهما، عقدة التفوُّق الزائد عن اللزوم والنزوع العنصري نحو الإبادة العرقية لـ”الأغيار” من لا يخضع أو من يقاوم سطوتهم التي يعملون على تحصينها على مر التاريخ. وهذه العقدة الأخيرة هي التي كانت تجلب لهم المذلة والخراب في آخر المطاف، بدءا من الخراب الأول خلال القرن 6 قبل الميلاد.
الشعور بالتفوُّق، كونهم “خاصة الله وأحباؤه”، و”شعب الله المختار” الذي فضَّله الله على كل “الأغيار”، “الغوييم”، “الأميين” وجعلهم لهم خدما مسخَّرين لخدمتهم لـ”علوّ مكانتهم على سائر العالمين” هذه العقيدة التي غُرست في وعيهم الديني والعقائدي عبر كتبهم وبرامجهم الدراسية والتلقين الأسري، هو ما يجعل اليوم هذه الحكومة الصهيونية، في رأي فريق من أهلها “الحكومة الأكثر يمينية وتطرُّفا”، منذ زرع الكيان في قلب الأمة العربية والإسلامية في 1948، والتي تعمل جاهدة اليوم على تحقيق “الحلم الصهيوني التوراتي” في استعجال عودة “المشيخ” كما ينطقونه، مسيحهم، على اعتبار أن “المسيح عيسى بن مريم” ليس نبيًّا بالنسبة إليهم، ولا يؤمنون به، لأنهم كانوا ينتظرون ملكا وإمبراطورا يمنحهم القوة والمكانة وليس نبيًّا يمنعهم المكانة والمال. لهذا، هم ما زالوا ينتظرون عودة “المشيخ” (الدجال)، ليقيم لهم الملك العظيم على “الأرض الموعودة” وهذا بعد استيفاء شروط العودة ومنها بناء “الهيكل” المزعوم، “هيكل سليمان” الذي يوجد مكانه التاريخي -حسب زعمهم- تحت المسجد الأقصى. هذا الهيكل الذي كان آخر من دمّره بعد التدمير الأول على يد الإمبراطور البابلي “نبوخذ نصّر” خلال القرن 6 قبل الميلاد، ثم أعيد بناؤُه بعد أكثر من 70 سنة، بعد أن أعادهم الفرس إلى “أورشليم”، ثم للمرة الثانية والأخيرة على يد الإمبراطور الروماني “تيتوس” خلال منتصف القرن الأول الميلادي.
وهذا ما كانت حكومة اليمين الصهيوني تقوم به حثيثا، قبل انفجار “طوفان الأقصى”، الذي لم يكن إلا نتيجة لتراكمات عمرها 75 سنة، بالتأكيد، لكن ذروتها كانت سنوات حكم اليمين المتطرِّف الصهيوني برئاسة “نتن ياهو”.
لهذه الأسباب، مع أسبابٍ شخصية تتعلق بمستقبله السياسي المعتّم خارج رئاسة وزراء الكيان، إذ سيكون مصيره مصير سلفه “إيهود أولمرت” بعد حرب 2006 مع حزب الله، ومع كل الأسباب الأخرى التي يجمع حولها “كابيني” الكيان المتعطش للدم الفلسطيني، سيحاول رئيس وزراء الكيان بعد نهاية الهدنة أو الهدن، التي قد تمدد إلى 8 أو 10 أيام، استعادة الكرّة في الوقت بدل الضائع ومعاودة التقتيل الإجرامي طمعا في تسجيل هدف ولو بالتسلل، طمعا في تحقيق ولو مكسب معنوي أو مادي واحد يضمن له “صورة” الفائز، تؤهِّله لتجنب مزيد من بَلة الطين في رمال غزة ووحلها، والرأي العام العالمي الذي سيعرف ويرى الفظائع بكل أعينه ويسمع بها بكل آذانه، بعد حملة تشويه وكذب وخداع وتعتيم وتغييب للصورة وللصحفيين والمصوِّرين، أملا في وأد الحقائق الإجرامية على الأرض.
الـ”بي بي”، وإن لم ينزل كليا من الشجرة، إنما حتما سيقع من فوقها.