مخطط "شيطنة" حماس يسقط في مستنقع افتراءات الاحتلال
العالم
مخطط "شيطنة" حماس يسقط في مستنقع افتراءات الاحتلال
بقلم : محمد درقي
23 نوفمبر 2023 (منذ 4 ساعات)
يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة وأهلها المحاصرين، منذ شهر ونصف، شنّ طوفان من الأكاذيب والافتراءات والتلفيقات لشيطنة حماس وكتائب المقاومة التي مرّغت أنف الكيان الصهيوني في معركة "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر الماضي. ويستعين في ذلك بآلة إعلامية إسرائيلية وغربية تضافرت أقلامها وعدسات كاميراتها وميكروفونات صحفييها لمساندة ترسانة حربية غير مسبوقة، مهمتها الأساسية استعطاف المجتمع الدولي، وتبرير المجازر الشنيعة، والإبادة الجماعية الممارسة في حق المدنيين الأبرياء، وتحقيق نصر مزعوم.
غير أن كل هذه المساعي تحولت مع مرور الوقت إلى أماني بعيدة المنال، بفعل سقوط المحتل في شرّ أكاذيبه ومستنقع افتراءاته التي دحضتها العديد من التحقيقات المحلية والدولية، حتى صارت موضوع سخرية من المواطنين الإسرائيليين أنفسهم.
والحقيقة أن السردية الإسرائيلية مطعون في مصداقيتها ومشكوك في صحتها منذ بداية هذه الحرب الشعواء، غير أنها تعرّت بشكل كبير في الأيام الأخيرة نتيجة تلاحق التحقيقات والمؤشرات التي وضعت فوق الطاولة قرائن وأدلة تثبت كذب الاحتلال ومحاولة تزييفه للحقائق.
ولعلّ أبرز هذه الأكاذيب ما نشرته مؤخرا جريدة "هآرتس" العبرية بناء على تحقيقات من الشرطة الإسرائيلية، عندما أثبتت للمجموعة الدولية بأن جثث الإسرائيليين التي تم العثور عليها محروقة لم يكن لمقاومي حماس يد في حرقها، بل تم الأمر نتيجة قصف جوي قامت به مروحية قتالية تابعة لجيش الاحتلال، استهدفت به المقاومين والرعايا الإسرائيليين المشاركين في مهرجان "نوفا" الموسيقي المقام بجوار "كيبوتس رعيم"، والذي أثبتت التحقيقات أيضا بشأنه أن حماس لم تكن على علم مسبق بفعالياته.
وأكاذيب إسرائيل المرتكزة أساسا على دعم كلي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت منذ الوهلة الأولى للحرب الجارية، حيث ادّعت قطع رؤوس أطفال من قبل مقاومي حماس، وورّطت جو بايدن الرئيس الأمريكي بتصريح عن رؤية صور هذه الرؤوس المقطوعة، قبل أن يعلن البيت الأبيض في توضيح جاء بعد ساعات من كلمة بايدن أن هذه التصريحات كانت مبنية على مزاعم مسؤولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية، وبأن المسؤولين الأمريكيين لم يروا هذه الصور المزعومة، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على افتراءات قيام المقاومين باغتصاب بعض الفتيات والنساء الإسرائيليات أثناء اجتياح 7 أكتوبر، والتي لا تزال تروّج لها عبر شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد وشبكات التواصل الاجتماعي.
كما لم يتردد جيش الاحتلال، وبكل برودة أعصاب، واستغباء مفضوح لعقول وعيون كل سكان المعمورة، في التنصل من مسؤولية المجزرة المروّعة التي استهدفت مستشفى المعمداني يوم 17 أكتوبر الماضي مخلفة أكثر من 500 شهيد، في واحدة من أبشع جرائم الإبادة في حق الإنسانية ككل، من خلال الادعاء بأن الأرواح التي قضت داخل المستشفى ومحيطه كان سببها صاروخ أطلقته المقاومة الفلسطينية. قبل أن يتم إثبات كذب هذه الرواية وبهتانها، بموجب العديد من التحقيقات التي قامت بها الكثير من وسائل الإعلام المغطية للحرب، على غرار صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، "لوموند" الفرنسية، وشبكة "الجزيرة" القطرية.
وأسلوب الكذب والتلفيق والافتراء بات أداة حرب في يد الكيان الصهيوني، تماما مثلما هو الحال بالنسبة للصواريخ والقنابل والمدافع والمدرعات، يستعين به مجلس الحرب لتحقيق مآربه التي رفع سقفها عاليا بالقضاء على حماس وكتائب المقاومة، وإرجاع كل المختطفين إلى أهاليهم. فورّط بذلك نفسه في معركة ضارية، يتكبّد فيها لحد الساعة خسائر ثقيلة لا يفصح عن حقيقتها، حسب تحليلات كل المتابعين والخبراء، حفاظا على النفسية الإسرائيلية المهزوزة أصلا منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى".
ولم يتوقف الاحتلال في كذبه عند هذا الحد، بل روّج لاستعمال حماس المدنيين كدروع بشرية لمداراة جرائمه الشنيعة، وتأليب الغزاويين على حركتهم ومقاومتهم، متناسيا بأن أهل القطاع المحبوسين في أكبر سجن مفتوح بالعالم منذ 17 سنة كاملة يعلمون يقينا بأن الصهاينة يكذبون مثلما يتنفسون، ولا يؤتمن جانبهم، ولا تُنفذ وعودهم في أرض الواقع. ولا أدل على ذلك من ترويجه عن طريق مناشير نثرتها طائراته بضرورة النزوح الجماعي إلى الجنوب باعتباره منطقة آمنة، لكنه بات اليوم يقصف بضراوة شديدة مثل الشمال إن لم يكن أشد.
والغريب العجيب في أمر المجتمع الدولي هو ذلك الإصرار على الانحياز غير المبرّر للاحتلال الإسرائيلي، رغم أن أكاذيبه تنكشف بسرعة وتسقط في الماء، وفضائحه تتواصل وتتفاقم مع مرور الأيام، حيث لم ينجح الجيش الصهيوني في تقديم دليل واحد وبيّنة واضحة عن مزاعمه حول استعمال المقاومة للمستشفيات كمواقع عسكرية، ومراكز لاختبائها وتدبير أمور الحرب، عن طريق أنفاق لم يُر لها أي أثر حتى بعد اقتحام جنود الاحتلال لجل مستشفيات الشمال، وعلى رأسها مجمع الشفاء، وتفريغها من نزلائها من المرضى والنازحين منذ عدة أيام مضت، الأمر الذي أفضى إلى واقع كارثي، بسبب خروج جل المستشفيات عن الخدمة بشكل كامل، والعالم يتفرج دون أن يحرك ساكنا.
صفة الكذب لدى الإسرائيليين معروفة، وهي طبع جُبلوا عليه، توارثوه من أجداد لهم، ألسنتهم افترت حتى على خالقها، فقالوا إن الله فقير، وإن يده مغلولة، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، فلا غرابة أن يواصل أحفادهم هذا النهج حتى في التعامل الداخلي فيما بينهم، مثلما يحصل منذ بداية الحرب مع عائلات المختطفين الذين سئموا من الأسطوانة المشروخة التي يقدمها لهم مجلس الحرب، بأن ملف أبنائهم يشكل أولوية الأولويات، بينما يواصل القصفَ الهمجي فوق رؤوس هؤلاء الرهائن، موديا بحياة العديد منهم، ويُماطل في إبرام صفقة لتبادل الأسرى، من خلال إجهاض المساعي المتقدمة للوسطاء، وهي في آخر مراحلها.