رسالة إلى ابن اليهودية
رسالة إلى ابن اليهودية
حسين لقرع
2023/11/21
يقال إنّ المنحرفة أخلاقيا هي أكثر من يتحدّث عن العفة والشرف، والسارق هو أكثر من يتحدّث عن الأمانة ونظافة اليد، وخائن المسؤولية هو أكثر من يتظاهر بالاستقامة والنزاهة.. حتى إبليس يتبرّأ من أتباعه يوم القيامة ويدّعي أنه يخاف اللهَ ربَّ العالمين.
في هذا الإطار، بعث الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني، أفيخاي أدرعي، رسالة إلى عناصر كتائب القسام، الذراع العسكري لحماس، يتّهمهم فيها بأنهم يقومون باستغلال المستشفيات لأغراض مسلّحة، وبناء أنفاق تحتها، واحتجاز أسرى صهاينة داخلها، ويستنتج بأنهم “بلا ضمائر أصلا”، ويعِظهم بحديثٍ نبوي شريف يتعلق بفضل الرّفق وأضرار العنف!
أوّلا: لم يستطع الاحتلالُ إلى حدّ الساعة تقديم أيّ دليل دامغ على استعمال مقاتلي حماس مستشفى الشفاء أو الرنتيسي وغيرهما لأغراض مسلّحة، كأنْ يحوِّل أقبيتها إلى مراكز قيادة، أو مخازن للأسلحة، أو يشقّ أنفاقا تحتها، كما ادّعى العدوُّ مرارا.. منظمة الصحة العالمية أكّدت أنها “لم ترَ في المستشفى أيَّ دليل على استخدام حماس له مقرا عسكريا”، ورئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود باراك نفسه قال إنّ الاحتلال هو الذي بنى ملاجئ تحته خلال فترة احتلال غزة، لـ”توفير مساحة أكبر لعمليات المستشفى”، فعن أيِّ أنفاقٍ يتحدّث أدرعي أو “ابن اليهودية” كما وصف نفسه؟
أمّا الصُّورُ التي قدّمها الاحتلالُ للعالم عن أسلحة فردية وألبسة وأغراض شتى تركها مقاتلو القسام، فهي لا تُقنع حتى طفلا صغيرا، وظهرت فيها الفبْرَكة واضحةً وضوح الشمس؛ فلماذا ينسحب مقاتلو القسام ويتركون أسلحتهم وأغراضهم للعدوّ ليُدينهم أمام العالم؟ لماذا لم يأخذوها معهم وهي سهلة الحمل كما نرى وكان لديهم وقتٌ طويلٌ وكاف؟ هل هم سُذّج إلى هذه الدرجة؟
ما يقدّمه الاحتلالُ من صور مضحكة، لم يُقنع حتى حلفاءه الغربيين، إلا المكابرين الذين عوّدونا منذ اليوم الأول على تصديق أكاذيب الاحتلال، ككذبة قطع رؤوس 40 طفلا صهيونيّا وحرق جثث بعضهم، وقتل 364 مدني في حفلٍ بمستوطنة، وقصف مستشفى المعمداني خطأ بصاروخ محلي… وغيرها من الأكاذيب التي أثبتت الوقائعُ والأيام زيفها.. الواضح أنّ الهدف من تدمير المستشفيات بهذه الذَّريعة الواهية هو حرمان سكان غزة من العلاج، وهو يندرج في إطار التنفيذ المرحلي لخطة التهجير إلى سيناء بعد تحويل غزة إلى مدينة غير قابلة للحياة، من خلال مواصلة سياسة الحصار والتجويع وحرمان سكّانها من أبسط ضروريات العيش.
ثانيا: تحدّث أدرعي عن احتجاز أسرى صهاينة داخل مستشفيات غزة، وهذا كذبٌ بواح ردّت عليه المقاومة بالتأكيد أنها نقلت أسرى أصيبوا بجروح متفاوتة خلال القصف الصهيوني المتواصل، إلى مستشفى “الشفاء” لتلقّي العلاج بدافع إنساني، لا فرق في ذلك بينهم وبين الفلسطينيين الجرحى، فهل هذا العملُ الإنساني تهمة تُشين المقاومة؟ هل يقوم الاحتلال بتقديم الرعاية الصحية الكافية للأسرى الفلسطينيين في سجونه، أم يتعمّد إهمالهم طبِّيا إلى أن يُستشهدوا؟
ثالثا: عندما يتحدّث “ابنُ اليهودية” عن أنّ مقاتلي حماس “بلا ضمائر”، فذلك يعني أنّ جيش الاحتلال يملك ضميرا حيّا ويحارب مقاتلي حماس فقط على الأرض، ولا يقصف الأطفال والنساء والمسنّين والمرضى والنازحين، ولا يدمِّر البيوت والمستشفيات والمدارس ومراكز “الأونروا” على رؤوسهم، ولا يرتكب المجازر وأعمال الإبادة وجرائم الحرب، ولا يمارس عقابًا جماعيًّا فاشيًّا بحقّ 2.3 مليون فلسطيني بحرمانهم من الغذاء والدواء والكهرباء والماء والوقود، باستثناء كميات قليلة، ولا يقصف المخابز لحرمانهم من الخبز والآبارَ وخزانات المياه ليحرمهم من المياه النقية ويُجبرهم على شرب المياه الملوَّثة أو الرحيل إلى مصر…!
ما يقترفه الاحتلال من مجازر مهولة وانتهاكات فظيعة منذ 7 أكتوبر يشيب لهولها الولدان؛ قصفٌ جوّي وحشي متواصل حوّل ثلثَ غزة إلى ركام، وقتلَ أزيد من 13 ألف مدني، منهم 5600 طفل و3500 امرأة، و2.3 مليون فلسطيني يتعرّض إلى تجويع حقيقي منذ شهر ونصف شهر باعتبارهم “حيوانات بشرية” كما قال وزيرُ دفاع العدوّ، والقطاع على شفا كارثة إنسانية حقيقية، لكنّ ذلك كله لا يدلّ على موت الضمير لدى الاحتلال، وهو يتساءل فقط إن كانت حماس تملك ضميرًا!
وحدهم أشاوسُ المقاومة يعرفون كيف يردّون على عجرفة الاحتلال وفاشيته وجرائمه الوحشية بحقّ أطفالهم ونسائهم، من خلال قنص جنوده وتفجير دباباته وآلياته العسكرية يوميا.. لم يبالغ أبو عبيدة حينما قال إنَّ مقاتليه الصناديد سمعوا صرخات جنود الاحتلال واستغاثاتهم خلال القتال. في الميدان، يصمد الرجالُ ويسومون الجبناءَ سوء العذاب.. فقاتلوهم.. قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم.