لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى لأولئك الذين أصابهم عمى الألوان. إنّ المعركة التي يخوضها مجاهدون مقاومون أشاوس في بطن غزة قد ألقت أضواءها الكاشفة على عالم اليوم الذي غطّته سحابة المظالم متعددةِ المشارب، مُوحَّدةِ الهدف. إنّه ظلام الغِواية والخيانة والعمالة والطغيان من المعتدين ومن لفّ لفّهم ووالاهم وبرّر جرائمهم وعداوتهم للحق والعدل والحرية.
لقد اجتمع عُبّاد الأهواء في حلف شيطاني لمحاربة الله ورسوله والمؤمنين. تلك هي الصورة الأكثر وضوحا اليوم في منطقة الشرق الأوسط. هل هناك عاقلٌ اليوم يؤمن بحل سلمي تحاوري مع من يُصرِّح بكل صفاقة باستعداده لإبادة البشر والشجر والحجر بغطاء ومساندة عدوانية صارخة ممّن صَمُّوا آذاننا بالكلام عن حق الإنسان في الحياة والمساواة البشرية، ونصّبوا أنفسهم زورا وبهتانا أوصياء على غيرهم من البشرية؟
طيلة العقود الثلاثة الماضية تمكنتْ هذه المجموعة الباغية من لبوس الوصاية على البشرية لتُملِي عليها جبرا وإكراها صورةً واحدةً للعيش والكون والحياة حتى أصبحت المِثلية “حقا من حقوق الإنسان”، وأصبحت الرِّدة والاعتداء على الله ورسالة الأنبياء “حرية تعبير”، واعتُبِر التّمسك بالشرف والعِرض “تخلّفا وظلامية”.
إنّه لا يمكن حصر الظلم الأسود في عالم اليوم عدًّا، ولكنّ أشاوس غزّة حقّقوا ما لم تحققه دول وأنظمة الشعارات التي لم تزد البشرية إلّا شقاءً وتعاسةً وقهرًا.
وقد صدق من قال إنّ منظمة التعاون الإسلامي تفتقد إلى التنظيم والتعاون والإسلام.
أمّا جامعة الدول العربية فلم تعد تجمع أيّ عربي أصيل.
هذا الطغيان الذي يتلذذ بقتل الأطفال والنّساء والعَجزة بل وحتى الرّضع والبهائم يستنكر عقوبة الإعدام على من يُفسد في الأرض!
هذا الطغيان الذي يستفرد بنهب ثروات الشعوب ويستعبدها تحت مظلة نقل المدنيّة للشعوب الهمجية، والذي حمل هذا الشعار منذ القرن الثامن عشر وطبَّقه بشكل سافر وتحت عناوين متجدّدة وفقا لمتطلبات كل مرحلة، مازال يمارس لعبته القذرة إلى يوم الناس هذا.
عرّت معركة غزّة كل هذا الزيف والحيف. وإذا كانت هذه الحقيقة المُرَّة قد تعرّت نهائيا، فإن مغصا وقهرا قاتلين يسكنان ضمائر الأحرار في عالمنا العربي والإسلامي وأنفسهم، ذلك أنّ جمهورا كبيرا من الممسوخين المحسوبين على فئة النُّخبة من السّاسة والخُطباء والوجهاء والعلماء يبرِّرون هذا الطغيان والمسخ بدعوى مُجاراة الواقع والانفتاح على الآخر ومواكبة التطور العلمي والحضاري.
إنّ هذه الحقيقة المُرّة اليوم هي التي تفسِّر:
1 / العجز المُخزي عن نصرة الحقّ وأهله، والذي انقلب إلى تآمر وخذلان والسير في ركب الشيطان.
2 / الاستمرار في سياسة التنازلات إلى الحد الذي أصبح فيه تقرير الحق للمعتدي كَياسة سياسية وحبّا للسلام وإعلاء لمبدإ العيش المشترك.
3 / السقوط الحرّ لكل القيم التي اتخذها الغرب الاستعماري تُقية لاستمرار بسطه استعباد الشعوب ونكران حقّها في السّيادة والعيش بمقدراتها المادية والعَقدية والثّقافية.
حق الحياة تقابله حروب الإبادة، وحق العيش الكريم تحاربه الإمبراطوريات المالية، والحقّ في الاختلاف تقهره سياسات الاندماج والحصار والتضييق والخنق والتجويع ثم المحاربة والإبادة.
4 / مصطلح ازدواجية المعايير لم يعد كافيا لإدانة النّفاق الغربي في تعامله مع مختلف الأحداث والأزمات في العالم. ولكم أن تُقارنوا بين مواقف الغرب وخطاباته وتقريراته فيما يتعلق بالنّزاع الأوكراني من جهة، وأزمات الشرق الأوسط والنّزاع مع دول الساحل الصحراوي في إفريقيا وتلك المتصاعدة في المحيط الهادي وجنوب القارة الآسيوية.
إمداد أوكرانيا بأحدث الأسلحة ليس مشاركة في الحرب ضد روسيا، لكنّ إغاثة المحاصَرين في غزّة بالأدوية والطعام “معاداة للسّامية” ومشاركة في الحرب ضد الصهاينة الذين لهم “حق الدفاع عن أنفسهم”.
نهب ثروات دول الساحل يُقدَّم على أنّه “مشاركة إنسانية” لفرنسا لمساعدة هذه الدول في تطوير استغلال ثرواتها ومن ثمَّ المشاركة في تنميتها الاقتصادية، لكنّ الدّول المُصدِّرة للنّفط ليس من حقّها التّصرف في ثرواتها إلّا بما يخدم المصالح الكبرى للدول الغربية وإلّا عُدّت الدّول المُصدِّرة للنفط مهدِّدة للأمن الطّاقوي الدولي.
5 / أن تُحاصَر غزّة مدّة تزيد عن سبعة عشر سنة فتلك “محاربة للإرهاب”، وأن تُطلق يد الصهاينة في الإبادة البشرية فذلك “دفاع عن النّفس”.
6 / أن تُحاصَر إيران، وتُباد سوريا، وتُقسَّم السودان، وتُدمَّر ليبيا واليمن كل ذلك “محاربة للحكم الإستبدادي والشمولي”، لكنّ محاربة النّازية في أوكرانيا “عدوانٌ على سيادة دولة مستقلة”.
إنّه لا يمكن حصر الظلم الأسود في عالم اليوم عدًّا، ولكنّ أشاوس غزّة حقّقوا ما لم تحققه دول وأنظمة الشعارات التي لم تزد البشرية إلّا شقاءً وتعاسةً وقهرًا. وقد صدق من قال إنّ منظمة التعاون الإسلامي تفتقد إلى التنظيم والتعاون والإسلام. أمّا جامعة الدول العربية فلم تعد تجمع أيّ عربي أصيل.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.