لقد فاقت الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة في وحشيتها جرائم نيرون وتراجان وفرعون وجرائم الفاشية والنازية، جرائم تُرتكب تحت ذريعة واهية ومضللة وهي القضاء على حماس. عشرة آلاف أو يزيدون إلى حد الآن من شهداء القصف الهمجي ووزير صهيوني يلوِّح باستخدام السلاح النووي من أجل تسريع عملية محو حماس من الوجود، كما قال.
إن حماس ليست في حقيقة الأمر إلا ورقة يستخدمها نتنياهو وعصبتُه لتبرير عدوانهم الغاشم على غزة الذي أكمل شهره الأول في ظل صمت دولي تتخلله بعض بيانات الشجب والإدانة من هنا وهناك والتي لا تغيّر من الواقع شيئا.
إن ما يقوم به الطيران الحربي الصهيوني والمرتزقة ضد المدنيين في غزة هو جريمة حرب مكتملة الأركان تقع تحت طائلة العقوبات المغلَّظة التي هي من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي ينص ميثاقها على متابعة مجرمي الحرب ممن أجرموا في حق شعوبهم أو في حق الآخرين، فقد سبق للجنائية الدولية محاكمة قادة الحرب في البلقان وهي عازمة على محاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد تحميله مسؤولية الحرب الدائرة في أوكرانيا.
إلى هذا الحد تبدو المحكمة الجنائية الدولية جادة في متابعة أمراء الحرب، وهي اليوم أمام اختبار المصداقية بعد الدعوى التي رفعتها الجزائر ضد الكيان الصهيوني التي نأمل ألا يكون مصيرها كمصير الدعاوى السابقة التي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بشأنها أحكاما ضد الكيان الصهيوني، ولكن هذه الأحكام لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب الحماية التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني ضد أي قرار جنائي يحمل إدانة لإسرائيل ولقادتها السياسيين والعسكريين.
في الوقت الذي اكتفت فيه أنظمة عربية بالمطالبة بوقف المجازر في حق المدنيين والوقف الفوري لإطلاق النار وتبادل الأسرى بين الاحتلال وحركة حماس، بادرت الجزائر برفع دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني ومناشدة الحقوقيين والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية القيامَ بحملة دولية لفضح جرائم الاحتلال مما يمثل شكلا من أشكال الضغط على المحكمة الجنائية الدولية للقيام بدورها وتحمّل مسؤولياتها جراء الجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ومن يدعمه من محور “أوروبا أمريكا” الذي أظهر منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة تحيُّزه لإسرائيل بدعوى حقها في الدفاع عن نفسها.
إن الدعوى القضائية التي رفعتها الجزائر ضد الكيان الصهيوني لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مؤسَّسةٌ على خمسة عناصر:
أولا: الدعوى الجنائية الجزائرية مؤسسة على مبادئ القانون الدولي الإنساني
تندرج الدعوى الجنائية الجزائرية ضمن التدابير الضرورية التي تضمنها القانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين في حالة نشوب نزاع مسلح أو وقوع عدوان من دولة على أخرى. وقد نشر موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر نشرة مفصلة لشرح هذه التدابير والتي تركز على أربع قواعد أساسية:
المعاملة الإنسانية للمدنيين:
ينص القانون الدولي الإنساني على أن المدنيين الواقعين تحت سيطرة القوات المعادية يجب أن يعامَلوا معاملة إنسانية في جميع الظروف، ومن دون أي تمييز ضار. ويجب حمايتهم ضد كل أشكال العنف والمعاملة المهينة بما فيها القتل والتعذيب. ويحق لهم أيضا في حال محاكمتهم الخضوع لمحاكمة عادلة توفر لهم جميع الضمانات القضائية الأساسية.
تأمين طواقم الحماية المدنية والطبية والإنسانية:
ينص القانون الدولي الإنساني في هذا الصدد على أن “حماية المدنيين تشمل الأفراد الذين يحاولون مساعدتهم لاسيما أفراد الوحدات الطبية والمنظمات الإنسانية أو هيئات الإغاثة التي توفر اللوازم الأساسية مثل الغذاء والملبس والإمدادات الطبية. ويطلب من الأطراف المتحاربة السماح لهذه المنظمات بالوصول إلى الضحايا. وتلزِم اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول بالتحديد الأطرافَ المتنازعة بتسهيل عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
حماية النساء والأطفال والعجزة والمسنين:
يشدد القانون الدولي الإنساني على “أن النساء والأطفال والأشخاص المسنين والمرضى يشكلون فئات شديدة الضعف أثناء النزاعات المسلحة، وكذلك الأشخاص الذين يفرُّون من بيوتهم فيصبحون نازحين داخل بلدانهم أو لاجئين. ويحظر القانون الدولي الإنساني الترحيل القسري عن طريق ممارسة التخويف أو العنف أو التجويع”.
تجريم التشريد والتهجير القسري:
ينص القانون الدولي الإنساني على أنه “كثيراً ما تؤدي النزاعات المسلحة إلى تشرد العائلات. وعلى الدول أن تأخذ جميع التدابير المناسبة لتفادي وقوع ذلك، وأن تبادر بإعادة الاتصالات العائلية من خلال إتاحة المعلومات وتيسير أنشطة البحث عن المفقودين”.
لقد ضرب نتنياهو وعصبتُه عرض الحائط بكل مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي لا يمثل بالنسبة لهم مرجعا يرجعون إليه، فمرجعهم ما توصي به التوراة، فسِفرُ العدد على سبيل المثال يحض على الإمعان في قتل الأطفال وسبي النساء وحرق المدن “وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم، وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم، وجميع حصونهم بالنار” (العدد 31: 10-11).
لقد خرق الكيان الصهيوني كل مبادئ القانون الدولي الإنساني؛ فقد استهدف المدنيين بشكل فظيع ومنعَ طواقم الحماية المدنية من انتشال جثامين الموتى وإسعاف الجرحى، وقصف المستشفيات بدعوى وجود مخازن ومصانع للأسلحة تحتها، وتمادى الطيران الحربي الصهيوني في قتل النساء والأطفال والمسنين والعجزة وتشريد ساكنة غزة إلى الجنوب، مدعيا أنه قد وفر لهم “ممرا آمنا” وهي الأكذوبة التي فضحها الإعلام الدولي، ففي عرف الكيان الصهيوني لا أمان لأحد ولا وجود لممر آمن، فالكل بالنسبة له أهداف حربية.
لقد ضرب نتنياهو وعصبتُه عرض الحائط بكل مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي لا يمثل بالنسبة لهم مرجعا يرجعون إليه، فمرجعهم ما توصي به التوراة، فسِفرُ العدد على سبيل المثال يحض على الإمعان في قتل الأطفال وسبي النساء وحرق المدن “وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم، وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم، وجميع حصونهم بالنار” (العدد 31: 10-11). ويُسمى هذا في الاصطلاح القانوني المعاصر “جريمة الإبادة” التي لا تستثني أحدا. إن كيانا هذا سلوكه كيانٌ خارق للقانون، خارج عن الأعراف الدولية ومقاضاته في المحكمة الجنائية الدولية هي أضعف الإيمان.
ثانيا: دعوى مؤسسة على اتفاقيات جنيف 1949 وبروتوكولاتها الإضافية:
لقد عملت اتفاقيات جنيف 1949 وبروتوكولاتها الإضافية على وضع القواعد القانونية والإجرائية الكفيلة بالحد من همجية الحروب وهي تنص على حماية حقوق الإنسان الضرورية في حالة الحرب، وفي مقدِّمتها الحق في الحماية لجميع المدنيين الذين لا يُعدّون طرفا في الحرب الدائرة.
وتشدد هذه الاتفاقيات على تبني قواعد صارمة للتصدي للانتهاكات الخطيرة التي يقوم بها العسكريون العاملون في جبهات القتال، والتبليغ عن هؤلاء وتقديمهم للمحاكمة مهما كانت جنسيتهم. في ضوء هذا، يتحتم على المحكمة الجنائية الدولية -بناء على ميثاقها- النظر في الدعوى الجنائية الجزائرية وإصدار حكمها الذي يقضي في كل الحالات بإدانة نتنياهو وعصبته على الانتهاكات الصارخة التي طالت المدنيين العزَّل في غزة تحت ذريعة القضاء على حماس.
ثالثا: دعوى مؤسَّسة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
رغم الثغرات التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أنه يمثل قاعدة للتقاضي أمام المحكمة الجنائية الدولية، فالدعوى الجنائية الجزائرية مؤسسة على الخرق الواضح لهذا الإعلان من قبل الكيان الصهيوني باعتدائه على الحقوق الأساسية للإنسان وفي مقدمتها الحق في الحياة بغضِّ النظر عن جنسه وعِرقه، فقد نصت المادة الثالثة منه على أنَّ لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”.
وقد تأكد للمجتمع الدولي أن الكيان الصهيوني لم يكتف بحرمان الفلسطينيين من حقهم في الحياة والحرية وفي الأمان على أنفسهم وحسب، بل هاجم كل الجهات الحقوقية والإعلامية التي تعرِّي صفحته وتفضح جرائمه مدعيا أنها “جهاتٌ متحيزة للعدو وداعمة للإرهاب”.
إن الدعوى الجنائية الجزائرية ضد الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تندرج ضمن مبدأ الجزائر حول تجريم الاعتداء على حقوق الإنسان فللكيان الصهيوني سِجلٌّ أسود في مجال انتهاك حقوق الإنسان، وهو ما يعد دليلا ماديا قويا على صحة الدعوى الجنائية الجزائرية.
رابعا: دعوى مؤسسة على التجريم الدولي للكيان الصهيوني:
الدعوى الجنائية الجزائرية ضد الكيان الصهيوني نابعة من الموقف الدولي بشأن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين منذ نكبة 1948م التي تذكِّرنا بوعد بلفور المشؤوم الذي سمح للجماعات اليهودية الهائمة في العالم بالاستيطان في فلسطين على أنها أرض الميعاد التي وعدت بها التوراة.
إن هذا الاستيطان قد ترتب عنه في الجانب الآخر تقتيلٌ وتشريد لشعب بأكمله تؤكد وثائق تاريخية بأنه أحق بالأرض المقدسة وأسبق في الوجود من مغتصبها. إن الكيان الصهيوني كيان معزول دوليا ولولا الفيتو الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي لانتهى منذ زمن طويل، فبقية العالم الحرّ مجمع على تجريم هذا الكيان غير الشرعي الذي وُجد بموجب قرار ملكي بريطاني صدر ظلما وعدوانا في 1917 ويفتقد إلى الشرعية الدولية.
خامسا: دعوى مؤسسة على مبدأ الجزائر تجاه القضية الفلسطينية:
تنظر الجزائر إلى فلسطين على أنها أرضٌ عربية تم اغتصابها من قبل الكيان الصهيوني، وقد صاحب اغتصابَ الأرض عملياتُ قتل ممنهج وتهجير قسري إلى ما وراء حدود 1967، بل وصل الأمر إلى تهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها. إن الدعوى الجنائية الجزائرية هي ترجمةٌ لموقف الجزائر الثابت من القضية الفلسطينية الذي لم يتغير ولم يتبدل رغم المستجدات الدولية.
إن الجزائر تعتبر العدوان على غزة عدوانا على الجزائر، وقد جاءت الدعوى الجنائية التي تقدمت بها أمام المحكمة الجنائية الدولية تعبيرا عن هذا الموقف وعن دعمها المستمر للقضية الفلسطينية ولحقِّ الفلسطينيين في محاربة الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلة.
قد يقول بعض المرجفين إنه لا جدوى من الدعوى الجنائية الجزائرية ضد الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، فقد سبقتها دعاوى كثيرة ولكنها بقيت حبرا على ورق واستمرت معاناة الضحية مع الجاني، ولكن حسب الجزائر أنها قامت بما يمليه عليها ضميرها الوطني والقومي والإنساني، وحسب الجزائر من هذه الدعوى الجنائية ما تسببه من ضغط دبلوماسي ودولي على الكيان الصهيوني. لقد أدت الجزائر ما عليها، والكرة الآن في مرمى المحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.