ما لكم لا تتحرّكون؟
ما لكم لا تتحرّكون؟
لا يَقلُّ ما يفعله الاحتلال الصهيوني اليوم في قطاع غزة عما فعله سنة 1948 عندما أَفرغ فلسطين المحتلة عنوةً من أغلب سُكَّانها.. كل الوسائل اليوم مُباحة، آخرها التهجير القسري للمرضى من مستشفى “الشفاء” وقتل الأبرياء بلا شفقة ولا رحمة في مدرستي الفاخورة وتل الزعتر.
كانت عملية التهجير تتم سنة 1948 بالبندقة والسكين، إذ ارتكب هذا الكيان المجرم 52 مجزرة وسَوَّى بالأرض ما لا يقلُّ عن 550 بلدة، وها هو يُكرر الفعل ذاته اليوم بارتكاب المجزرة تلو الأخرى بقطاع غزة وإلقاء آلاف الأطنان من القنابل المُحرَّمة دوليا على رؤوس الأبرياء في مساكنهم الآمنة والمدارس التي احتموا بها في ممارسةٍ فاقت كل الأساليب الوحشية التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ. لم يعرف العالم، منذ أن بدأت الحروب والصراعات، مثل هذا القتل الجماعي للعزَّل بِبرودة دم. ولم يعرف مثل هذا التواطؤ والصمت، وهذا الخضوع المُذِلّ لِكمشة من شُذَّاذ الآفاق سَمُّوا أنفسهم قادة الكيان… بعد كل هذا أتعجب كيف لقادة بلدان عربية تُسمّي نفسها “شقيقة” لا يتحركون؟ كيف لقادة دول يرون ما نرى من جرائم ولا يتخذون قرارات قوية تضع حدا لهذا الظلم غير المسبوق تجاه إخوانهم في الدين والدم؟ أهذا كله خوفٌ من بني صهيون؟ أهذا كله خوف على المناصب والكراسي؟ أهذا كله خوف من غضب أمريكا والغرب؟ أهذا كله “ضبط للنفس” و”عقلانية” و”عدم تسرُّع” وحسابات اقتصادية وأمنية؟ هل يظن هؤلاء أن الغرب سيحترمهم بعد هذا السلوك المشين؟ هل يظن هؤلاء أنه سيعتبرهم جزءا منه؟ هل يظن هؤلاء أنه سيرضى عنهم ويُصنِّفهم ضمن قادة الأمم المتحضرة؟ ألا يعلم هؤلاء بأن المرحلة القادمة إن هُزِمت غزة، ستكون وبالًا عليهم، ولن يتعامل معهم الغرب إلا من زاوية المخذولين المقهورين غير القادرين حتى قول كلمة كفى للظلم، في أشد الأيام قسوة على إخوانهم؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم سيُهدَّدون قريبا بمثل ما هُدِّد به أبرياءُ غزة وسيذوقون من نفس ما ذاقوه؟ وستُعامَل شعوبهم بمثل هذه المعاملة؟ ألا يعلمون بأنهم قد أَحطُّوا بأنفسهم وبقيمة مواطنيهم إلى الحضيض؟ ما الذي بَقي يتحدث بعد الذي يحدث اليوم في غزة عن شعوب عربية وقيادات عربية ونخوة عربية وتضامن عربي؟ لو تعرَّض أي جنس آخر في الأرض لِما يتعرض له إخوانُنا في فلسطين لانتفض لعرضه وأرضه ولقال لا لقتل بنيه بهذه البشاعة وهذه الهمجية.. ماذا لو فُعِل بالألمان هذا؟ أو بالأمريكان؟ أو بالإنجليز؟ أو بالروس؟ أو بالصينيين؟ أو بالهنود؟ أو بغيرهم من الأجناس؟ بلا شك أنهم سيثوروا نصرة لأنفسهم وإخوانهم ظالمين أو مظلومين؟ ألا يعني هذا الموقف المُشين المتخاذل الذَّليل أننا وضعنا أنفسنا في ذيل الأمم؟ ألا يحقُّ لبقية شعوب العالم أن تحتقرنا وتعاملنا بأسوأ المعاملات وتصفنا بأخس الصفات وتضعنا في أدنى المراتب بعد اليوم؟
لقد فاق تخاذلنا كل تصور، وتجاوز كل الحدود… ولولا ذلك البصيص من الأمل الذي مازلنا نرى وميضه من خلال فوهة بندقية مجاهدينا في فلسطين، ولولا ذلك البصيص من الأمل الذي مازلنا نسمعه في نبرة الشهداء الأحياء في قطاع غزة وهم يواجهون العدو بصدور عارية، ولولا ذلك البصيص من الأمل الذي مازلنا نراه في ذلك الصمود والتشبُّث بالأرض بما بقي في الروح من حرارة… لولا ذلك البصيص من الأمل الذي مازال يُعطيه لنا ذلك الإصرارُ على رفض الرحيل والتشبُّث بالأرض والعرض بما بقي من بقية قوة في تلك الأجساد التي أرهقها الجوع والعطش.. لولا كل هذا لأعلنّاه يأسا أبديا إلى يوم الدين بأن أمتنا قد ماتت وقادتها قد استُعبدوا، وليس لهم ولا لنا بعد اليوم حق في الحياة.
محمد سليم قلالة
2023/11/18