كِدنا نَقتنع أن الحق مع مَن يصفون أنفسهم بأنهم اختاروا البديل الأفضل، الواقعي والبراغماتي البعيد عن عالم المبادئ والعدالة وما يُسمّونه “شعارات” الماضي مثل “ما ضاع حق وراءه مُطالب” و”ما أُخِذ بالقوة لا يُستَرد الا بالقوة”…
كِدنا نقتنع أنهم اختاروا الطريق الصحيح، وهم يتحالفون مع رأس المال العالمي الذي يتحكم فيه الصهاينة، ومع القوة العسكرية التي تتحكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ومع الموساد والسي أي إي التي تمتلك أقمار التجسس وأرقى الوسائل التكنولوجية التي تستطيع أن تحميهم وتُحافظ على بقائهم…
كِدنا نقتنع أنهم على صواب ونحن على خطأ.. وكُتبت في ذلك أدبيات وتكلم مسؤولون كبار بأن ذلك الزمن الذي كان التحرير فيه يتم على الطريقة الجزائرية قد ولّى، وأن “إسرائيل” أصبحت واقعا لا يمكن نكرانه وقوة لا يمكن تجاوزها، ونظام سياسي متماسك واضح المعالم لا يمكن زعزعته ومن الواجب التعامل معه…
كِدنا نقتنع أن هذه هي الصورة النهائية، وهذا هو المشهد الأخير لمنطقتنا، وما على إخواننا الفلسطينيين إلا أن يَكُفوا عن الحلم وأن يعودوا إلى عين “العقل” والاكتفاء ببديلهم الوحيد المتبقي الذي ترمز إليه السلطة الفلسطينية في رام الله: انتظار تقسيط الميزانية من المحتل، وانتظار المساعدات من غيره، وانتظار حكم ذاتي محدود في ظل الدولة العبرية مقابل تقديم خدمات التنسيق الأمني ضد أولئك “المتطرفين” مِن رافضي إلقاء السلاح المؤمنين بالأساليب “القديمة” لاستعادة الحق المسلوب..
كِدنا نقتنع أنه على الفلسطينيين الاكتفاء بهذا، وبذلك التمثيل الباهت في المنظمات الدولية التي لا تكاد تُسمِع صوت فلسطين المبحوح، وغالبا ما ينام ممثلوها ملء جفونهم وهم يسمعون مَن يتكلم، عن الحق الفلسطيني، وعن حل الدولتين وعن الالتزام بالشرعية الدولية…
كِدنا نقتنع أن أهل الحق قد تنازلوا عن حقهم، وأننا لن نستطيع أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، رافضين للتطبيع الذي قبلوا به، غير معترفين بالكيان الذي اعترفوا به…
وكانوا سعداء بذلك، مُنتَشين بذلك… حتى فاض طوفان الأقصى جارفا كل تلك الأكاذيب والأوهام التي زرعوها في أذهاننا، وكاشفا الحقائق الناصعة التي تُشكِّل جوهر القضية وتضبط معالم طريق النصر..
وتَبيَنَ لنا مع الخيوط الأولى لفجر السابع من أكتوبر:
أنه لا يوجد أكثر استعدادا للتضحية من أجل فلسطين من الفلسطينيين أنفسهم، لا يوجد أكثر صبرا على العدوان منهم، لا يوجد أكثر استعدادا للعيش بلا ماء ولا غذاء ولا أي من متطلبات الحياة في سبيل الدفاع عن وطنهم منهم… لا يوجد من يتحمل كل هذه الأطنان من المتفجرات التي تُصَب على الرؤوس ليل نهار إلا هم، لا يوجد من يستطيع أن يواصل الإصرار على البقاء في أرضه وهو يحمل أطفاله شهداء بيده إلا هم؟ لا يوجد مَن يستطيع الاستمرار في علاج المرضى بلا وسائل وهو تحت القصف والتهديد إلا هم، لا يوجد من يُفضِّل البقاء إلى جانب أنقاض بيته على أن يغادره إلى مكان آخر إلا هم… لا يوجد من يُصِر على الاستمرار في الحياة صابرا محتسبا وقد استشهد كل أو جل أفراد اسرته أمام عينيه إلا هم…
هل بقي بعد هذا من يقول أن الفلسطينيين تخلوا عن وطنهم وعن أرضهم ورضوا بالاحتلال بديلا وتطبيعا؟ هل بقي من يشك بعد هذا أنهم ما رفعوا السلاح في وجه أعدائهم إلا للتحرير على طريقة الشرفاء المؤمنين بعدالة قضيتهم؟ هل بقي بعد هذا مَن يستطيع الإشادة بالمعتدي الصهيوني وتبرير التطبيع معه او الاعتراف به أو تقسيم الأرض والعيش بسلام معه؟
لقد طوى طوفان الأقصى بحق صفحة الاستسلام والخنوع، وشرع في كتابة صفحة النصر، واستعادة الحق المسلوب، بالدم الفلسطيني الطاهر وتضحيات الشعب الفلسطيني البطل…
ارفعوا أيديكم عن هذا الشعب وعن قضيته، ودعوه يُحقِّق بنفسه إحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة…
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.