النَّازية الصُّهيونية ومحرقة غزَّة
الرأي
النَّازية الصُّهيونية ومحرقة غزَّة
ناصر حمدادوش
2023/11/07
هناك جدلٌ عالميٌّ لدى المؤرِّخين حول حقيقة “المحرقة اليهودية” المسمَّاة “الهولوكوست”، والتي يزعم فيها اليهودُ أنَّهم تعرَّضوا خلال الحرب العالمية الثانية (1939م– 1945م) إلى إبادةٍ جماعيةٍ بالحرق في الأفران على يد نازية “هتلر” في ألمانيا، ويُقدَّر عددهم -بزعمهم- بنحو 06 ملايين يهودي (أي ثلث الشَّعب اليهودي في العالم آنذاك)، مع أن هناك نحو 05 ملايين آخرين تعرَّضوا للقتل الجماعي أيضًا من قومياتٍ وعِرقياتٍ أخرى، ومع ذلك لا يتكلمون إلا عن الضحايا اليهود، وكأنَّ دمهم أقدس من دماء غيرهم.
ويُعدّ إنكار هذه المحرقة اليهودية المزعومة “معاداةً للسَّامية”، وتعدّه بعض الدول الغربية “جريمةً” يُعاقِب عليها القانون، بل هناك من الدول مَن لا تزال تدفع تعويضاتٍ لليهود ولدولة “إسرائيل”، رَاعية اليهود في العالم إلى الآن.
وبالرَّغم من الاعتراف الرَّسمي للدول الغربية بهذه المحرقة، وإدانتها لأيِّ تشكيكٍ فيها، تساوُقًا مع السَّردية الصُّهيونية، إلاَّ أنَّ هذا الاعتراف لا يمكنه اغتيالُ الحقيقة، وهي أنَّ هذه “المحرقة” مجرد “خرافةٍ” مبالغٍ فيها، يجب عدم التسليم بها، وقد تصدَّى لها يهودٌ أنفُسُهم، إذْ لا تتوفَّر على الأدلة والوثائق الثبوتية، فهي مجرد سرديةٍ تاريخيةٍ مزيَّفة، تروِّج لها الصُّهيونية العالمية من أجل تهجير اليهود وتأسيس دولةٍ لهم على أرض فلسطين، وهناك استحالةٌ هندسية لغرف الغاز، والدراساتُ أثبتت أنَّ الغاز الذي يُفترض استخدامه ستبقى له آثارٌ على مدى قرونٍ في التربة، إلا أنه لا يوجد له أثرٌ على الإطلاق في معسكرات الاعتقال النازية، وهو ما يعني الاستحالة التقنية لهذه المسالخ الكيمائية السَّخيفة.
ويرى المفكر اليهودي الفرنسي “جاكوب كوهين” أن (المحرقة ذريعةٌ اتخذها الصَّهاينة لجلب اليهود إلى فلسطين، لأنَّ الصُّهيونية كأيديولوجيةٍ سياسيةٍ كانت منبوذة من قبل 99% من الحاخامات المتدينين، فضلاً عن وجود نصٍّ ديني يقول إنَّه ممنوعٌ على اليهود المتديِّنين الهجرة جماعات إلى فلسطين إلاَّ بعد عودة المسيح، إلاَّ أنَّ المحرقة اعتُبرت حدثًا مقدسًا أسْهَم في شرعنة تأسيس إسرائيل، ورفَع المنع الدِّيني عن هجرة المتدينين إليها).
ومن أهمِّ الكتب التي ألَّفها الدكتور “عبد الوهاب المسيري” كتاب: “الصُّهيونية والنازية ونهاية التاريخ” سنة 1997م، وكانت خلاصته أنَّ هناك انحرافا خطيرا أدخلته الصُّهيونية على الدِّين والهوية والتاريخ اليهودي، ويرى بأنَّ النازية لم تكن انحرافًا عن هذه الحضارة الغربية، بل هي إفرازٌ عضويٌّ لها، وتيارٌ أساسيٌّ فيها مثل الصُّهيونية، وأنَّ فكر الإبادة نائمٌ في أعماق النازية والصُّهيونية معًا.
وكشف كتاب: “هتلر مؤسِّس إسرائيل” (العلاقات السِّرية بين هتلر والحركة الصُّهيونية) للكاتب: “هينيكيه كاردل” الصادر بالعربية سنة 2008م، عن الدعم الذي تلقَّاه “هتلر” من الصَّهاينة الغربيين في “واشنطن” من أجل القضاء على اليهود الشَّرقيين المعادين للصُّهيونية، وأنَّ “هتلر”، وبعد استلامه الحكم في 30 جانفي 1933م عيَّن مباشرةً مسؤولين صهاينة في معسكرات اعتقال اليهود في أوروبا، ومنهم “مناحيم بيغن” (رئيس الوزراء السادس للكيان الصُّهيوني) مسؤولاً عن معتقلات يهود بولونيا، وهو ما يثبت تورُّط الصُّهيونية في قتل “اليهود الألمان” الذين يعتبرون ألمانيا وَطنًا لهم، وليست فلسطين.
وتتباكى الصُّهيونية الآن أمام العالم على أعتاب هذه المظلومية، وتبتزُّ الدول الغربية بها، فهناك من الدول مَن لا تزال تدفع تعويضاتٍ عن خرافة “الهولوكوست”، فمثلاً “ألمانيا” لا تزال تدفع ذلك، بناءً على “اتفاقية لوكسمبورغ”، وهي اتفاقية بين إسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية، تمَّ التوقيع عليها في سبتمبر 1952م، والتزمت فيها بدفع تعويضاتٍ لليهود النَّاجين من “الهولوكوست”، ولإسرائيل باعتبارها الدولة التي ترِث حقوق الضحايا اليهود، إذ دفعت ما يقدَّر بـ3 مليارات مارك ألماني بين عام 1953م و1965م، مع الالتزام بدفع معاشاتٍ شهريةٍ لكلِّ يهودي أثبت تعرُّضه للنازية في أوروبا بين 1933 و1945م، وقد دفعت إلى غاية 2021م نحو 90 مليار دولار. ويذكر الكاتب أنَّ سبب القلق الذي أنهك “هتلر” هو اعتقاده أنَّ اليهود كانوا وراء هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فاستغلَّ اليهودَ الغربيين (الأشكنازيين) الذين يعتبرون أنفسهم أعلى مكانةً في اليهودية من اليهود الشرقيِّين، باعتبارهم فائضًا بشريًّا يجب التخلُّص منهم، وأنَّ حلَّ المشكلة اليهودية يكمن في اختراع دولةٍ لهم، وهي: فلسطين. وبذلك يكون “هتلر”- ذو الجدِّ اليهودي- هو المؤسِّس الفعلي للكيان الصُّهيوني، وهو مَن أعطى قُبلة الحياة للحركة الصُّهيونية، وأنَّ الصَّهاينة هم الإصدار الحديث للنازيين الجدد، وأنَّ جرائم النازية ضدَّ بعض اليهود هي أقلُّ انحطاطًا بكثيرٍمن جرائم اليهود ضدَّ الفلسطينيين اليوم.
محرقة غزَّة اليوم:
يُطلق مصطلح “الهولوكوست” ويعني المحرقة، وهي بالعبرية: الكارثة، وهي عمليةُ قتلٍ جماعية، وتسمَّى: الإبادة، وهي التي تُرتكب بطريقةٍ ممنهجة، وتُعرَّف “جرائم العدوان” و”جرائم الحرب” و”جرائم الإبادة” و”الجرائم ضدَّ الإنسانية”من خلال اتفاقيات “جنيف” و”المحكمة الجنائية الدولية” في “لاهاي” المصادق عليها من قبل 120 دولة -وتدخل ضمن انتهاك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني- بارتكاب أيِّ انتهاكاتٍ لقوانين أو أعراف الحرب، ومواثيق حماية الإنسان وحقوقه، المتعارف عليها دوليًّا، وتشمل:
– اقتراف الفظائع أو الجرائم ضدَّ الأشخاص أو الممتلكات.
– إبعاد أو نقل كلِّ سكان الأرض المحتلّة أو شرائح معينة منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.
-التعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
-التدمير والتخريب المتعمَّد للمدن والبلدات والقرى. – ارتكاب أعمال تدميرية في المنشآت لا تبرِّرها ضرورة عسكرية.
– تعمُّد توجيه هجمات إلى المباني المخصَّصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمّع المرضى والجرحى.
– تجويع المدنيين كسلاح حرب، بحرمانهم من مواد المعيشة الأساسية، بما في ذلك تعمُّد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف.
-استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبِّب بطبيعتها أضرارًا زائدة أو آلامًا متعمَّدة أو عشوائية.
وتمتدُّ المسؤولية الجنائية بموجب النظام الأساسي للمحكمة لتشمل -إلى جانب مرتكبي الجرائم- كلَّ مَن أعطى أمرًا أو أغرَى أو حرَّض أو ساعد أو قدَّم العون أو ساهم في ارتكاب هذه الجرائم.
إنَّ الكيان الصُّهيوني الذي تأسَّس على بكائية الهولوكوست المزعومة، يقوم أساسًا -ومنذ سنة 1948م- على ارتكاب المجازر والجرائم والفظاعات التي لم تتوقف منذ 75 سنة، والتي تُصنَّف وفق القانون الدولي الإنساني جرائمَ حرب، وجرائم ضدَّ الإنسانية، وجرائم إبادة، وهي موثَّقة، بل ويقوم بها على المباشر، وهي منقولة على مختلف القنوات الإعلامية العالمية؛ ففي معركة طوفان الأقصى منذ 07 أكتوبر 2023م، وعندما عجز عن المواجهة العسكرية المباشرة مع المقاومة الفلسطينية، لم يجد من وسيلةٍ للانتقام من خسائره العسكرية إلا ارتكاب المزيد من المجازر والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ضدَّ المدنيين، ففي غزَّة فقط -وإلى غاية 01 نوفمبر 2023م، أسقطت إسرائيل نحو 25 ألف طن من المتفجِّرات، وهو ما يعادل قنبلتين نوويتين، بمعدل 10 كلغم لكلِّ فلسطيني في غزة، فقتل قرابة 9000 مدني فلسطيني، منهم نحو 3650 طفلاً، و2290 امرأةً، و2030 مفقودًا تحت الأنقاض، منهم 1120 طفلا مفقودا، و22220 جريحًا، وارتكاب نحو 904 مجزرة، وقتل 124 من الكوادر الطبية، و18 من طواقم الإنقاذ من الدفاع المدني، وتهجير نحو 1.4 مليون من النازحين قسرًا، والحاق أضرار متباينة بـ200 ألف وحدة سكنية، واستهداف 57 مؤسسة صحية، وتدمير 16 مستشفى لإخراجه عن الخدمة، و32 مركزا للرعاية الصحية، وتدمير 31 مسجدًا و3 كنائس كأماكن للعبادة، و203 مدرسة، وقتل 35 صحفيًّا و13 عاملاً في المؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى قطع الوقود والكهرباء والماء والاتصالات والأنترنت، ومنع دخول المساعدات الإغاثية والإنسانية إلا بنسبة 03 بالمائة من الاحتياجات الأساسية. فكيف لا تُسمَّى هذه الفظاعات: جرائم حرب؟ وكيف لا تُسمَّى جرائم ضدَّ الإنسانية؟ وكيف لا تسمَّى جرائم إبادة؟ وكيف لا تُسمَّى محرقة حقيقة وهولوكوست فعلية؟ وكيف لا تصنَّف إسرائيل كيانا نازيا؟