إن هي إلا إحدى الحسنيين
إن هي إلا إحدى الحسنيين
سلطان بركاني
2023/11/06
لا تزال الأخبار والصور والمقاطع المؤلمة تتوارد إلينا من فلسطين، وهي صور ينبغي أن تحرّك قلوبنا وتهزّ أركاننا.. ليس هذا فقط.. بل يجب أن تحملنا بل وتجبرنا على مراجعة أنفسنا وتغيير أحوالنا وحياتنا وسؤال أنفسنا عمّا قدّمنا لديننا وأمّتنا.. والحمد لله أنّ ما يحصل في أرض الإسراء كان جعل كثيرا من المسلمين يستحيون من الله أن يقيموا على التفريط والمعاصي وإخوانهم في أرض الرباط تراق دماؤهم وتقطّع أشلاؤهم، فأعلنوها بداية حياة جديدة يعيشون فيها بدينهم ولدينهم.
رغم كلّ تلك الصور والآلام التي تحملها إلينا القنوات والمواقع من غزّة.. فإنّ هناك بشائر تتوارد من أرض العزّة.. بشائر الملاحم التي تسطرها الفئة المؤمنة القليلة في أرض الرباط.. صولة الأسود هناك أرعبت ضباع الصهاينة وأربكت خططهم وجعلتهم يتوجّسون خيفة من الفشل المحتوم.. يكفي أنّ عضو حكومة الطوارئ الصهيونية بيني غانتس قال: “الصور القادمة من المعركة مؤلمة ودموعنا تتساقط عند رؤية جنود جفعاتي يسقطون”.. إنّهم يحاولون إخفاء آلامهم التي نطق بها القرآن: ((إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ)).. ولكن هيهات.. لقد ظهرت صيحاتهم وتعالت نداءاتهم وملأ الأفق عويلهم حتّى قال الصحفي الصهيونيّ إيدي كوهين ناصحا إخوانه الصهاينة: “لا يجب أن نظهر للعدو ألمنا مع أننا نتألم”، ودعا إلى عدم إعلان خسائر جيش الاحتلال.. إنّهم يعلنون صباح مساء أنّهم يقاتلون من أجل الحياة بشرا حريصين على الموت.. وقد قالها الجنرال الصهيونيّ هاليفي: “الجيش الإسرائيلي يقاتل باسم قدسية الحياة، ضد عدو يُفَضِّل الموت على الحياة”، وصدق الله القائل: ((وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون)).
عشرات الجنود نفقوا وغدوا جيفا عند أقدام المجاهدين في الاجتياح البريّ وحده، بينهم قادة ألوية وضباط.. ومدرّعات كان الجيش الصهيونيّ يفخر بها زاعما أنّها لا تغلب ولا يمكن تدميرها، اشتعلت فيها النيران، ودمّرت -بفضل الله- تدميرا.. ناقلة جند مدرّعة أطلق عليها العدوّ اسم “نمر: Tiger”؛ استهدفها المرابطون وجعلوا عاليها سافلها وقتلوا فيها 11 جنديا، وهو ما جعل الصهاينة يفتحون تحقيقا لمعرفة كيف أمكن المجاهدين تدميرها.. وصدق الله: ((وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)).
أخبار الغصص والنكسات التي اعترف العدو الصهيونيّ ببعضها تنطق بأنّنا قادرون بإذن الله على أن نشرّد بأعدائنا ونذيقهم طعم الهزائم، مهما كنّا قلّة، ومهما كان سلاحنا أقلّ وأضعف من سلاح الأعداء؛ لو أننا اعتصمنا بالله.. ويكفي في هذا المقام أن نقارن بين خطابات الناطق باسم كتائب القسّام أبي عبيدة، وخطابات الناطق باسم الجيش الصهيونيّ، لندرك الفرق الذي يصنعه الإيمان بالله الواحد الأحد.
هذه فئة قليلة في كتائب القسام، عانت ويلات حصار خانق استمرّ طويلا، وعانت من الخذلان والخيانات ما الله به عليم.. ولا تملك من مقوّمات الصناعة الحربية شيئا، استطاعت أن تفعل كلّ هذا بجيش يصنف على أنّه الأقوى في المنطقة! كيف لو عاد المسلمون إلى ربّهم، وتركوا حياة اللهو واللعب وإضاعة الأوقات، وأعلوا الهمم وشحذوا العزائم، وجعلوا نصرة الدين رأس مال وهدفا وغاية؟ كيف لو تركوا خلافاتهم واتّحدوا تحت راية لا إله إلا الله وتحت اسم الإسلام؟
ما يسطره المرابطون في غزّة آية من آيات الله في تأييد عباده المؤمنين، رغم الخيانات والمؤامرات، ورغم الخذلان. ((إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون)) (آل عمران: 160).. ويفترض أنّ الدّرس قد وصل إلى شباب الأمّة وفُهم أيا تكن النتائج بعد ذلك.. فإن كان في تقدير الله أن يتوّج عباده المجاهدين والمرابطين بالشهادة، فما حملته قلوب الأبناء من غيظ على الصهاينة وإيمان بجبن الأعداء، كفيل بأن يخرج كتائب أخرى أشدّ قوة وصلابة وإصرارا.. وإن يكن ما نرجوه من نصر مؤزّر يكتبه الله لكتائب العزّ، فإنّ الموازين في الشرق الأوسط ستتغيّر، وستتغيّر في الأمّة وفي العالم كلّه، بعد أن يخزي الله الخائنين ومن يتّخذون من دون الله ورسوله ومن دون المؤمنين وليجة.