جرائم لا تسقط بالتواطؤ والتقادم، ولا تمحى بالنسيان!
جرائم لا تسقط بالتواطؤ والتقادم، ولا تمحى بالنسيان!
ا: 2023-10-30
أ. عبد الحميد عبدوس/
في خضم القتل الهمجي، والتدمير المنهجي، والقصف الوحشي المتواصل ليلا ونهارا على مدى الساعات والأيام والأسابيع ضد سكان غزة ومرافقها الحيوية، والذي اعتبر أكبر قصف جوي في العالم في القرن الواحد والعشرين، تقاطر مسؤولون غربيون من الأمريكيين والأوروبيين على إسرائيل لتقديم تأييد دولهم للعدوان الصهيوني، والإعلان بأنهم شركاء في جريمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وكان آخر هؤلاء المسؤولين الغربيين وصولا إلى الأرض المحتلة، هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي جاء إلى إسرائيل يوم 24 أكتوبر 2023 ليدعو إلى تحشيد القوى الغربية لتشكيل حلف لمحاربة حماس، وهي خطوة تبدو كأنها إعلان عصري لشن حرب صليبية جديدة ضد «حماس» في الظاهر، ولتركيع العالم الإسلامي في الواقع، وكما كانت المدينة الفرنسية كليرمونت حاضنة في عام 1095 لانعقاد المجمع الكنسي الذي تقرر فيه شن الحرب الصليبية، التي انطلقت في سنة 1099 تحت راية الصليب وحصدت في بضعة أيام أرواح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى ورواد المساجد والمجاهدين المدافعين عن القدس، فإن دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حاليا، تهدف إلى القضاء على أية مقاومة عربية أو إسلامية تتوخى تحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة،هذا من جهة، ومن جهة أخرى، توسيع السيطرة الصهيونية على كل أرض فلسطين تحت ذريعة الحرب العالمية ضد الإرهاب. فأحفاد القتلة الصليبيين الذين أراقوا دماء المسلمين في القرون الوسطى، يتداعون اليوم لتدمير غزة وإبادة سكانها تحت راية الحلف الصليبي الصهيوني، وإرهاب كل عربي أو مسلم تحدثه نفسه بتقديم النصرة والعون للمجاهدين في فلسطين وغزة. والأدهى والأمر من ذلك هو المنظر المشين والبائس للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي جلس أمام الرئيس الفرنسي الصهيوني إيمانويل ماكرون مؤمنا على كلامه وصامتا أمام شتائمه القذرة ضد حركة حماس التي تمثل في أقل الحالات جزءا أصيلا من الشعب الفلسطيني، والتي وصفها ماكرون بالإرهابية، ودعا لشن حرب عالمية للقضاء عليها، وما يجعل القلب ينفطر حزنا وكمدا وقهرا ونكدا أن الرئيس الفرنسي الصهيوني العنصري كرر كلامه أمام حكام عرب كملك الأردن ورئيس مصر، بينما وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شامخا على بعد آلاف الكليومترات جغرافيا من فلسطين ليؤكد أمام مرأى ومسمع العالم بأن «حركة حماس ليست إرهابية ولكنها حركة تحررية تدافع عن أرضها وتعمل على تحرير شعبها». وكل مسلم عاقل يعلم بالضرورة أن المقاومة حق وواجب لمن احتلت أرضه، والشهيد من مات دفاعا عن أرضه، وعرضه، ووطنه، وماله.
إذا كانت الدول الغربية والإعلام الغربي ـ مع استثناءات معدودة ـ قد ملأوا الدنيا بالإدانات والاستنكارات و التنديدات بـ«إٍرهاب حماس» لقيامها بقتل المدنيين والأطفال في غلاف غزة المحتل يوم السابع أكتوبر الجاري، فإن جيش الاحتلال الصهيوني قد قتل منذ 7 أكتوبر إلى اليوم عددا من الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزة المحاصر، تقدر بأضعاف ما قتلته حماس من مدنيين وعسكريين إسرائيليين في كل هذه الحرب الطاحنة. وإذا كان قتل المدنيين جريمة لا مراء فيها، فإنه يحق لنا التساؤل عن مبرر استعراض أمريكا ودول أوروبية أخرى لكل هذا الكره العنصري والغضب الهستيري ضد حركة حماس بسبب قتل المدنيين الإسرائيليين الذين يشكلون في واقع الأمر جزءا لا يتجزأ من مكونات الاحتلال، في الوقت الذي يتناسون فيه تاريخهم الحافل بالمجازر والفظائع ضد المدنيين، فأمريكا لم تتعلم شيئا عن ما فعلته بالمدنيين في فيتنام وأفغانستان والعراق، حتى أن مؤسس موقع «ويكي ليكس» الأسترالي جوليان اسانج الذي نشر وثائق مسربة أثبتت بالصورة والصوت كيف قتل الجيش الأمريكي في العراق عشرات الآلاف من المدنيين منهم أطفال رضع ونساء حوامل، وعرض الموقع وثائق تكشف بالتفصيل مقتل 66081 مدنيا في الحرب العراقية، لكن بعد هذا السبق الإعلامي العالمي للصحفي جوليان أسانج اعتبرته أمريكا مجرما، وأصبح بمثابة المطلوب رقم 1 للقضاء الأمريكي، وتمت مطاردته في كل البقاع التي لجأ إليها، أما قوى الشر الاستعمارية التقليدية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا فقد قتلت ونكلت على مدى قرون من الزمن بملايين المدنيين في مختلف قارات العالم، ومازالت دولة كفرنسا إلى حد اليوم تفاخر بجرائمها الاستعمارية وترفض الاعتذار عنها، رغم أنها ارتكبت في ماي 1945 أكبر مجزرة ضد المدنيين في بضعة أيام راح ضحيتها 45 ألف جزائري. ولكون هذه الدول الاستعمارية الشريرة تدرك أن سجلها في قتل المدنيين والتنكيل بهم ليس أنظف ولا ألطف من السجل الإجرامي للكيان الصهيوني، فقد ظلت بمباركة وسائل إعلامها تتمسك برفض إعلان وقف إطلاق النار، ولا حتى إقرار هدنة إنسانية مؤقتة لإيصال الغذاء والماء والدواء للمدنيين المحاصرين والمرضى المهددين بالموت في غزة، ووصل الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، قائدة الحلف الغربي، إلى استخدام حق الفيتو لمنع صدور قرار أممي يقضي بوقف القتال بحجة أن ذلك يصب في مصلحة حماس. وكأن القتل الجماعي لسكان غزة والتدمير المنهجي لبنيتها التحتية هو الذي سيحقق النصر لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ويشفي غليل صدور الصهاينة المهزومين في غلاف غزة في بداية عملية «طوفان الأقصى». للإشارة فإنه في الحروب السابقة بين الإسرائيليين والعرب، وبين الإسرائيليين الفلسطينيين كانت أوروبا التي تتحمل تاريخيا مسؤولية تصدير المسألة اليهودية إلى قلب العالم العربي تحاول أن تحافظ على موقف يتسم بقدر من الاتزان والاستقلالية عن الموقف الأمريكي المنحاز كليا للمحتل الصهيوني. كان يحكم أوروبا ـ آنذاك ـ قادة وزعماء ذوو رؤى إستراتيجية وكاريزما سياسية، وهذا ما يتناقض مع حال أوروبا اليوم التي يحكم كبرى دولها كفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا موظفون فاقدون للوزن السياسي والعمق الإنساني، ومع هؤلاء الحكام انتهت استقلالية أوروبا وأصبحت مجرد تابع ذليل للهيمنة والقيادة الأمريكية.
يستطيع قادة الغرب عندما يكونون تحت حماية حراساتهم المشددة والمدربة، ومكاتبهم المكيفة أن يتبجحوا بإظهار الشجاعة والحزم ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وان يمطروها بالشتائم ويقذفوها بأقبح الصفات، ولكن ما أن تطأ أقدامهم أرض فلسطين المحتلة حتى يتحولوا إلى أجبن من النعام و يتصرفوا كمخلوقات تثير الشفقة. فعلى سبيل المثال ظهر المستشار الألماني أولوف شولتز رفقة مرافقيه وهم ينبطحون أرضا فور نزولهم يوم الثلاثاء 17 أكتوبر الجاري في مطار تل أبيب، بمجرد سماعهم صفارات الإنذار، وكان شولتز يؤكد وقوف ألمانيا إلى جانب إسرائيل للقضاء على حماس ويحذر دولة إيران ومنظمة «حزب الله» من التدخل لإنقاذ حماس، ويسخر من تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وقوع قتلى مدنيين في الصراع بين إسرائيل وحماس، ويؤكد أنه: « لولا الدعم الإيراني لحماس في الأعوام الماضية، لم تكن حماس لتقدر على شن هذه الهجمات غير المسبوقة على الأراضي الإسرائيلية». أما وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني أنطوني بلينكن، فقد ظهر يوم الاثنين، 16 أكتوبر الجاري، رفقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهما يهرولان هاربين إلى أحد المخابئ، بعدما دوت صافرات الإنذار، وظلوا هناك لمدة خمس دقائق قبل استئناف اجتماعهما مع الحكومة الحربية داخل قاعدة عسكرية. وقبل ذلك قال بلينكن لنتنياهو: «قد تكونون أقوياء بما يكفي للدفاع عن أنفسكم، لكن ما دامت أميركا موجودة، فلن تضطروا إلى ذلك أبداً، سنكون دائماً إلى جانبكم». وقبل ذلك ظهر وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في مقطع فيديو، يوم الأربعاء11 أكتوبر2023 وهو يفر داخل أحد المباني في إسرائيل؛ بعدما دوت صافرات الإنذار خلال زيارته لمستوطنة أوفاكيم، وكان قد أكد خلال وصوله إلى الأراضي المحتلة بأنه جاء ليقدم لإسرائيل «دعما لا يتزعزع» في حربها ضد حماس. والمرجح أن حركة «حماس» التي أثبت فعلا امتلاكها لصواريخ تستطيع الوصول إلى تل أبيب، قد أحجمت عمدا عن قصف مطار بن غوريون عند وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن حتى لا يتسبب رعب صافرات الإنذار في موت العجوز بايدن بالسكتة القلبية.
وللمرء أن يتصور كيف كان سيكون عليه موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن ، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك،أو المستشار الألماني أولوف شولتز، الذين سارعوا لزيارة إسرائيل وتقديم الدعم لها، لو كانت دولة فلسطين أو حركة حماس تمتلك نفس الأسلحة التي تمتلكها إسرائيل، فهل كانوا سيتجرؤون على زيارة فلسطين في زمن الحرب والإدلاء بالتصريحات التي قالوها أمام المجرم الصهيوني بنيامين نتنياهو؟ بالتأكيد لا… فالواضح أن تصرفاتهم المتبجحة نابعة من معرفتهم بحجم الخلل الكبير في موازين القوة المادية بين إسرائيل وحماس، ومن أمن العقاب أساء الأدب، كما يقال، فجاءت تصرفاتهم المتبجحة وكأنها صادرة من متفرجين فوق مقاعد مريحة على فصول مسرحية أو مشاهد فيلم درامي، وليس على حرب طاحنة وظالمة ووحشية يموت فيها يوميا مئات الأبرياء المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى. ومن المثير للسخرية أن يتهم الرئيس الأمريكي، وقائد الأركان الإسرائيلي حماس بالجبن والاختباء في أوساط المدنيين، في حين أصبح من الواضح أن كل جحافل الجيش الإسرائيلي المقدرة بمئات الآلاف من الجنود والضباط والمدججين بكل أنواع الأسلحة الحربية الفتاكة والمتطورة ما زالوا قابعين منذ أسابيع على حدود منطقة غزة وهم خائفون ومرعوبون من دخول المعركة البرية ومواجهة مجاهدي حماس في الميدان،ويواصلون حربهم القذرة ضد غزة بواسطة القصف الجوي الذي لا يكلفهم موت جنودهم أو أسرهم،كما حدث عند التحامهم المباشر بأسود المقاومة في غلاف غزة يوم السابع أكتوبر2023.