جلدُ الدب لا يُباع قبل قتله
الرأي
جلدُ الدب لا يُباع قبل قتله
عمار يزلي
2023/11/03
بعد قرابة شهر من التدمير الشامل لغزة الأبية الصامدة، والتنكيل بالمدنيين العزّل أطفالا ونساء وشيوخا، وارتكاب أبشع المجازر مع حصار وتجويع وقصف للمستشفيات ومراكز الإيواء والمدارس وقطع الماء والكهرباء ومنع إدخال الوقود لتشغيل المخابر والمستشفيات، وبعد كل هذا التدمير للمباني والتهجير القسري للسكان، لم يعد الآن للإدارة الأمريكية الراعية لهذه الغدّة السرطانية وحامية الحرامي، إلا أن تبدأ هي قبله، في وضع “مخطّطات ما بعد الطوفان”، والتفكير في استنساخ تاريخ خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982.
هذا المخطط، الذي سيفشل بالتأكيد، كما فشلت قبله مخططاتٌ أخطر، وآخرها التوطين خارج فلسطين لتصفية القضية الفلسطينية وبيعها نهائيا، وتأسيس دولة يهودية من حدود الجليل الأعلى في جنوب لبنان إلى إيلات جنوبا في البحر الميت، في انتظار توسيع الغدة السرطانية وانتشارها لتحقق الحلم الصهيوني ودولة من النيل إلى الفرات، وربما إلى مكة والمدينة.
فشلت “صفقة القرن” وفشل التطبيع والدين “الإبراهيمي” الجديد المكذوب عليه عربيا وصهيونيا وأمريكيا، وستفشل باقي محاولات اجتثاث المقاومة عن شعبها والشعب عن مقاومته في غزة وفي الضفة.
هذا المخطط الذي يحاك له اليوم، يتم في أعلى مستويات الإدارة الأمريكية، إذ يبدو وكأنما الأمريكان، الذي فشلوا وفشلت كل تدخّلاتهم من فيتنام مرورا بالعراق وأفغانستان وسورية واليمن، وفي أوكرانيا، سيفشلون من جديد وستفشل مخططاتهم وألاعيبهم بالتأكيد، كون المقاومة اليوم تحارب وتقاوم وتستبسل على أرضها. المقاومة اليوم، ليست كالأمس في لبنان عام 82، لا جغرافيًّا ولا تاريخيا ولا يمكن مقارنة هذا بذاك، والشعب الفلسطيني لن يقبل بغير بلده بلدا بديلا، مستقلا على حدود وطن كامل السيادة وعاصمته القدس، وهو مطلب لا يُسترد إلا بقوة السلاح والمقاومة، مهما كلّفه ذلك من ثمن، حتى في ظل زمن الهوان العربي حوله الذي يبدو أنه لا حول له ولا قوة حتى في إدخال المعونات الإنسانية.
أمام هذا التعنُّت والتجبُّر والمزيد من الدعم للكيان من أجل “حق الدفاع عن نفسه”، وكأن المحتل له حق الدفاع، والمنهوبة أراضيه، لا حق له في ذلك، بل لاحق له حتى في الحياة، أمام هذا الصلف الغربي الأمريكي الصهيوني، الداعم بلا شروط للعدوان المنخرط حتى العظم في قتل آلاف الأطفال والنساء والرضع، يبدو أن التصعيد هو سيد الموقف أمام البطولات منقطعة النظير التي يبديها وينفذها أبناء المقاومة البواسل في غزة والضفة وجنوب لبنان ودخول جبهات أخرى لتسخين الوضع والإحماء قبل اتّساع رقعة الشطرنج؛ فقد بدأ ذلك من العراق والجولان واليمن وستشتعل المنطقة والعالم كله تباعا إن دخل حزب الله في تصعيد المعادلة.
هذا ما تخشاه الولايات المتحدة والغرب عموما، لكن عمليًّا، هذا ما يدفعون إليه بمجاراة الكيان الصهيوني في حلمه وجرائمه في حق المدنيين وخرق لكل الأعراف والقوانين الإنسانية الدولية. غير أنهم يسعون لحفظ بعض ماء الوجه أمام شعوبهم المغيَّبة والمسمَّمة إعلاميا، باللعب على جزء متجزئ من الجانب الإنساني، لصالح أسراهم ومزدوجي الجنسيات من المحتجزين في غزة، وفي خروج حاملي الجوازات الأجنبية، مقابل فتح معبر رفح المصري الغزاوي الخالص، لسويعات، لدخول بعض الشُّحن من الأكفان التي أرسلت من الإمارات.. وبعض ما أرسِل من الدول العربية والعالمية بمعدل لا يتعدى 50 شاحنة بعد أن كانت أقل من 20، مع العلم أن المطلوب هو 300 شاحنة يوميا.
كل السيناريوهات مفتوحة الآن أمام التصعيد، حتى ولو أعلِن عن هدنات إنسانية.. ما لم نوقف المجرم ونسمي الكلب كلبا.