نوفمبر.. ثورة عالمية
نوفمبر.. ثورة عالمية
د.سليم عبـادو
2023/11/01
لقد أعلنت ثورة نوفمبر منذ الانطلاق بأنّ كفاحها يندرج في إطار منظور شمولي لقضية تصفية الاستعمار، كما جاء في وثيقتها الأساسية الأولى “بيان أوّل نوفمبر”، أين تتجلّى بوضوح أبعاد هذا الكفاح: الإفريقي، العربي والإسلامي، حيث نجد مُدوّنًا في متنه وبصريح العبارة وهو يُخاطب الشّعب الجزائري: “بأن نوضّح لكم مشروعنا والهدف من عملنا، ومقوّمات وجهة نظرنا الأساسية التي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي”.
وقد تكررّت الإشارة إلى البعد الإفريقي والعربي عدّة مرّات في البيان: “إنّ أحداث المغرب وتونس لها دلالتها في هذا الصدد، فهي تُمثّل بعمق مراحل الكفاح التّحريري في شمال أفريقيا”، كما وردت أيضا في الشّق الأخير من البيان عند تطرّقه إلى الأهداف الخارجية للثّورة التّحريرية عبارة: “تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي”. وذهبت وثيقة البيان إلى أبعد من ذلك باحتوائها على عبارة أخرى أوسع مدلولا وفضاءً: “ورغبتنا أيضا هو أن نُجنّبكم الالتباس الذي يُمكن أن توقِعكم فيه الإمبريالية وعملاؤها”، فقطع هذا البيان الشكّ باليقين، فيما يتعلّق بماهية هذه الثّورة وأعطاها منذ الانطلاق بعدًا عالميا مقاومًا للاستعمار أينما كان، ومناهضا للإمبريالية العالمية، متجاوزة القُطر والحدود في أهدافها وتطلّعاتها.
انخراط أحرار العالم في ثورة نوفمبر
فوضع هذا البيان من البداية الثّورة التّحريرية في خانة كفاح الشّعوب المستضعفة ضدّ قوى الشرّ والاستعمار العالمي، وفرض منطق ضرورة تعاون وتضامن هذه الشّعوب للوقوف في وجه آلة البطش والظّلم والاستغلال العالمي، وهذا ما يُفسّر انخراط الكثير من أحرار العالم في كفاح الشّعب الجزائري، على رأسهم “حملة الحقائب” الذين كان أغلبهم من الأوروبيين، وكذلك تأثّر جيل كامل من الشباب الإفريقي الصّاعد، التوّاق إلى الحرية والانعتاق بمبادئ ثورة نوفمبر وبما حقّقته من مكاسب مُبهرة على الأرض، في ملاحم بطولية تركت بصمتها بجدارة في سجلّ النّضال الإنساني العالمي.
ثورة نوفمبر زلزلت ثقة الغرب الاستعماري..
إنّ اشتداد الكفاح المُسلّح بالجزائر وضراوة القتال هو الذي أدّى حتمًا إلى استقلال كلّ من المغرب في 02 مارس 1956 وتونس في 20 مارس 1956، واضطرار الفرنسيين إلى إرجاع منطقة فزّان في ليبيا الشّقيقة للوطن الأمّ في 22 نوفمبر 1956 أيضا، طمعا من فرنسا في تجميع وتركيز مُقدّراتها الحربية من أجل مواجهة الثوّار الجزائريين، فقد أحدثت ثورة نوفمبر زلزالا عنيفًا تحت أقدام المستعمر الفرنسي وحلفائه الغربيين، وأنتجت حركات تمرّد في صفوف الجيش الفرنسي، وأدخلت الغرب الاستعماري بأكمله في أزمة ثقة، ولكنّها أعطت من الجانب المقابل، أملا في النّفوس وبعثت روح التّحدّي والمقاومة في صفوف الشّعوب الإفريقية والعربية المستعمرة والمضطهدة، التي كادت أن تستسلم للقهر والظّلم العالميين، فالتقطت أجيال بأكملها هذه الدفعة أو النّفس الحضاري التّحرّري ممّا بعث روح المقاومة والكفاح من جديد في كلّ الأوطان الإفريقية، وخفّف من صدمة وانتكاسة العرب في فلسطين، وأعطى أملا جديدًا في إمكانية التحرّر ومحو الإحساس بالعار الذي خلّفته النّكبة في نفوس كلّ عربيّ ومسلم، وهم يرون إنجازات وانتصارات ثورة نوفمبر على أعتى القوى الاستعمارية في ذلك الوقت. وممّا يُحسب لثورة نوفمبر أنّها ساهمت بشكل غير مباشر في تحرّر جلّ الأوطان الإفريقية قبل أن تتحرّر الجزائر تتويجا لكفاح طويل ومرير.
نوفمبر حوّل الجزّائر إلى محجّ للثوّار
وبعد الاستقلال تحوّلت الجزائر بفعل تأثير قيم ثورة نوفمبر في الشّعوب الإفريقية والعربية وكذلك شعوب أمريكا اللاتينية إلى محجّ للثوّار والتّحرّريين، الذين كانوا يقصدونها من كلّ أنحاء العالم، مثل ما ما ورد في كتاب”الجزائر.. عاصمة العالم الثالث” الصادر عن دار “ميرثو” بالولايات المتّحدة الأمريكية عام 2021 للكاتبة والمناضلة الأمريكية إيلين مختفي، التي تزوّجت من جزائري وانخرطت في الكفاح إلى جانب ثورة نوفمبر إعلاميا.
رموز النّضال ضدّ “الأبارتايد” بالجزائر
وذكرت إيلين مختفي في كتابها بأنّها شاهدة على زيارة الكثير من دعاة الحرية ومناهضة التّمييز والإمبريالية في العالم للجزائر، وأنّها حضرت زيارة أوليفر تامبو المناضل ضدّ نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، الذي درس في جامعة واحدة مع الزّعيم والمناضل نلسون مانديلا، وكانا صديقين ورفيقين في النّضال الطويل ضدّ نظام الأبارتايد، حيث أسّسا معا في عام 1944 رابطة الشباب التّابعة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وفي عام 1960 عندما قتلت الشرطة 69 متظاهرا بالرّصاص الحي وأصابت 181 آخرينّ، قرّر الرّفيقان المرور إلى العمل المُسلّح اقتداء بثورة نوفمبر، فشكّلا تنظيما عسكريا سمّياه “امكونتو وي سيفي” أيّ رُمح الأمّة. وتمّ إرسال تامبو إلى الدّول والشّعوب الصديقة من أجل حشد الدّعم والتأييد لحركة الكفاح الوليدة هناك وجمع الأموال والسّلاح، وفي 1962 بعد استقلال الجزائر، ألقي القبض على المناضل نلسون مانديلا وحُكم عليه بالمؤبّد، بينما بقي تامبو يتردّد على الجزائر التي دعمته بالمال والسّلاح والتّدريب، وفي سنة 1967 أصبح تامبو رئيسا للمؤتمر الوطني، قبل أن يخلفه مانديلا على رأس الحزب سنة 1991 بعد مرضه، ثمّ وفاته لاحقا سنة 1993.
تأثّر تامبو ومانديلا بنضال الشّعب الجزائري المرير ضدّ قوى الظّلم والاستعمار العالمي، وخاصّة بقِيم ثورة نوفمبر، حيث كانا يطلبان من جنودهما احترام الشرف وقوانين حقوق الإنسان، وعدم الاعتداء على النّساء والأطفال والشيوخ والمدنيين، وبانتهاج حرب تحكمها الأخلاق ضدّ عدوّ غير أخلاقي وغير إنساني.
“الأب الزيمبابوي” ومؤسّس ناميبيا بالجزائر
استقبلت ودعمت الجزائر بعد الاستقلال المناضل الزيمبابوي العريق جوشوا نكومو الذي تأثّر هو أيضا بنضال الشعب الجزائري وبقيم نوفمبر، وكان يُلقّب “الأب الزيمبابوي”، فبعد معاناة مع الاستعمار البريطاني، استقلّت “روديسيا” كما كانت تُسمّى سابقا سنة 1965، لكن سرعان ما سيطر البيض على الحكم وأقاموا نظام فصل عنصري بالبلاد، اضطرّت جوشوا نكومو إلى تأسيس حركة تحرّر سمّاها “زامو” تلقّت كلّ الدّعم من أبناء ثورة نوفمبر المجيدة. وممّن استقبلتهم الجزائر ودعمتهم أيضا الزّعيم الناميبي صامويل نجوما، مؤسّس دولة ناميبيا، الذي كافح نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، مطالبا باستقلال بلده عنها حيث قاد جيش التّحرير الشّعبي لناميبيا منذ سنة 1966 إلى غاية 1989، وحكم بعدها ناميبيا من 1990 إلى غاية 2005.
“الفهود السود” بالجزائر
كما كان لقيم ثورة نوفمبر ونضال الشّعب الجزائري الأثر البالغ على قادة حركة الحقوق المدنية بالولايات المتّحدة الأمريكية، التي كانت تُناضل من أجل حقوق السود المضطهدين هناك، ومن أبرزهم النّاشط الأمريكي من أصول إفريقية: ستوكلي كارمايكل الذي زار الجزائر في سنة 1967 وأطلق عبارته التّاريخية: “ها أنا ذا أخيرا في الوطن الأمّ” ويقصد إفريقيا. كما لجأ لجزائر نوفمبر إلدريدج كليفر المسؤول الإعلامي لحركة الفهود السود، بعد ما تسلّل إلى كندا هاربا من الولايات المتّحدة الأمريكية، ثمّ كوبا، وعبر المحيط الأطلسي ليصل أخيرا إلى الجزائر التي منحته مكتبا تمثيليا واعتبرته حركة تحرّرية أنذاك، بعد ما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتّحدة الأمريكية سنة 1967.
نوفمبر نموذجا للنضال في فلسطين
أمّا في فلسطين المحتلّة، فقد كان إخواننا هناك يُراقبون بإعجاب كبير اندلاع ثورة نوفمبر، سنوات قليلة فقط بعد نكبة 1948، ويُتابعون هذه الثّورة المتميّزة عن الثورات العربية الأخرى، والتي اكتفت بأسلوب الاحتجاجات والضّغط السياسي والتّعويل على قرارات الأمم المتّحدة، عكس ما كان يحدث في الجزائر، تلك الدّولة العربية التي ثار فيها بضعة آلاف من الشّعب، مُسلّحين بعتاد بسيط، من أجل مواجهة مليون جندي فرنسي، مُدجّجين بأحدث أنواع الأسلحة أنذاك، وقد بدأت أخبار إنجازاتهم العسكرية الميدانية في الوصول تِباعًا. فكانت بالنّسبة للفلسطينيين وكلّ العرب بمثابة المُخلّص من الإحساس بالذلّ والعار، والإحباط الذي لحق بالعرب بعد النّكبة، والباعث للأمل من جديد في استرجاع الكرامة وإمكانية التحرّر باقتباس مبادئ وأفكار ثورة نوفمبر المباركة، التي أصبحت مبعث الفخر لكلّ العرب وقدوة في الكفاح للفلسطينيين، الذين أعلنوا هم أيضا انطلاق ثورتهم المباركة في مطلع سنة 1965 من أجل تحرير فلسطين، كلّ فلسطين من عصابات المحتلّ الغاصب للأرض.
الجذور الأولى للتلاقح الثّوري الجزائري الفلسطيني
لكنّ جذور التّلاقح بين ثورة نوفمبر والثّورة الفلسطينية كانت أقدم من ذلك الزّمن، فالرّوابط الأولى بين الحركة الوطنية الجزائرية والمقاومة الفلسطينية، كانت قد بدأت ولم تتوقّف عن التوسّع منذ نهاية حرب 1948، واختفاء اسم دولة فلسطين من على خارطة الشرق الأوسط، ثمّ جاءت أزمة قناة السويس في شهر أكتوبر 1956، التي فرضت مصر الناصرية بقوّة على الساحة الدولية كقائد للدول العربية، ووضعت على عاتقها كلّ رهانات المنطقة، وعلى رأسها نزوح الشعب الفلسطيني، وبعدها العدوان الثلاثي الفرنسي، البريطاني والإسرائيلي على مصر، الذي أيقظ الوعي تجاه مصير فلسطين عند كلّ العرب، وبالخصوص الفلسطينيين، الذين تربّت أجيال كاملة منهم في الدّاخل والشتات على اعتبار ثورة نوفمبر النّموذج النّاجح في الكفاح، وجبهة التّحرير الوطني الجزائري المثال الذي يُحتذى به في توحيد الصفّ وعدم إهدار المُقدّرات من أجل بدء الكفاح المُسلّح اقتداء بإخوانهم الجزائريين.
وفي القاهرة أين استقرّ الكثير من المناضلين الفلسطينيين أنذاك، والذين أصبحوا قادة تاريخيين للمقاومة الفلسطينية في المستقبل، والتي أصبحت أيضا قاعدة مهمّة للثوريين الجزائريين وصوت المناهضين للإمبريالية بالعالم، التقى محمّد حربي، أحد المناضلين القدامى بالحركة الوطنية الجزائرية -من حركة انتصار الحريات إلى حزب الشّعب إلى أحد قادة فيدرالية جبهة التّحرير الوطني بفرنسا، إلى مفاوض وخبير في اتّفاقيات إيفيان عند الاستقلال- لأوّل مرّة مع جورج حبش مؤسّس حركة القوميين العرب في بداية الخمسينيات، ثمّ الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين. كما احتكّ جمال عرفات، أخ المناضل والرّئيس الفلسطيني الرّاحل، مؤسّس حركة فتح بالمناضل الجزائري محمّد خيذر الذي كان يشغل أنذاك منصب أمين مال جبهة التّحرير الوطني.
تأسيس “فتح” وأولى خلايا الفدائيين على طريقة جبهة التّحرير
تأسّست حركة فتح في شهر أكتوبر من عام 1959 ونمت في السرّية والخفاء، حتّى كوّنت مئات الكوادر والخلايا في محيط الكيان الغاصب والشتات، وكان إلهامها يأتي من تأسيس جبهة التّحرير الوطني الجزائرية ونجاحها في توحيد الصفّ وقيادة ثورة نوفمبر. وفي 1963 تمّ تدشين أوّل مكتب تمثيل لحركة فتح بالجزائر العاصمة، بفضل صداقة محمّد خيذر وجمال عرفات وكذلك اتّصالات خليل الوزير “أبو جهاد” الذي ترأس هذا المكتب إلى غاية 1964، وقد تمّ من خلاله تقديم الدّعم المالي واللّوجيستي للمقاومة الفلسطينية، من سلاح خفيف وتدريب للفدائيين بالكلّيات العسكرية الجزائرية، وتشكّلت أنذاك أوائل فِرق “العاصفة” الفدائية، وتمّ تجنيد الكثير من الشباب الفلسطيني الذين كانوا يأتون إلى الجزائر تحت غطاء معلّمي اللغة العربية ومن أبرزهم الشّهيد: أبو علي إيّاد، بطل معركة الكرامة التي هزم فيها الفدائيون الفلسطينيين أكثر من 10000 جندي إسرائيلي في 21 مارس 1968. وبعد أبو جهاد تقلّد رئاسة مكتب فتح بالجزائر محمود أبو ميزر “أبو حاتم” من سنة 1964 إلى سنة 1968.
شبكة أصدقاء ثورة نوفمبر في خدمة الثّورة الفلسطينية
ثمّ عقب معركة الكرامة ووقعها الإعلامي الكبير والزّخم الذي أحدثته للقضية الفلسطينية عبر العالم، انتقل أبو حاتم من الجزائر العاصمة إلى باريس، حيث أصبح لقضية فلسطين شعبيّة عالمية في أوساط المُتابعين والمُثقّفين، وقد ساعده على ذلك محمّد يزيد وهو وزير بالحكومة الجزائرية المؤقّتة الذي عرّفه بالشّهيد الجزائري محمّد بوديّة، وفي شهر جانفي 1969 أعلن أبو حاتم للرأي العام في باريس عن برنامج حركة فتح، وكان ذلك العام، عام التّضامن والدّعم للقضية الفلسطينية في فرنسا بامتياز، انخرط فيه جلّ مثقّفي أقصى اليسار من الفرنسيين، الذين زاروا مخيّمات اللّاجئين الفلسطينيين مساندة للقضية، وتمّ بعدها تأسيس لجان دعم فلسطين في جلّ المدن الفرنسية. وتمّ كذلك تأسيس صحيفة شهرية تحت اسم “فدائيون” بمساعدة مثقّفي أقصى اليسار وكذلك الشّهيد بوديّة الذي تكفّلت شبكته بفرنسا بطبعها وتوزيعها.
محمّد بودّية أبو الثّورتين
وكانت أكبر تجلّيات تأثير ثورة نوفمبر على القضية الفلسطينية تتمثّل في الانخراط المباشر للشّهيد محمّد بوديّة في كفاح الشّعب الفلسطيني، وهو الذي وُلد في 24 فيفري 1932، وترعرع في شوارع القصبة، القلب العربي للعاصمة الأوروبية الجزائر أنذاك، والذي كان يعيش فيه حوالي 80000 جزائري مفصولين عن الأوروبيين. توفّي والد بوديّة وهو في سنّ التاسعة فامتهن بيع الجرائد وتلميع الأحذية، بساحة الأوبرا –بور سعيد اليوم- ثمّ دخل سجن بئر خادم بسبب خلاف مع يهودي كان يعمل عنده بمتجر للأقمشة بشارع “لا لير”، اكتشف وتعلّم المسرح بالسّجن، سافر إلى فرنسا زمن الثّورة، والتحق بصفوف فيدرالية جبهة التّحرير الوطني هناك، نفّذ تفجيرات خزّانات النّفط في “موربيان” قرب مرسيليا في 1958، من أجل فكّ الحصار عن المجاهدين بالجزائر بنقل الثّورة إلى معقل العدوّ، سُجن ثلاث سنوات بعد ما ألقي القبض عليه، كتب مسرحيتين داخل السّجن: وِلادات والزّيتونة، ثمّ فرّ منه ليتمكّن من الالتحاق بالفرقة الفنّية لجبهة التّحرير بتونس إلى غاية الاستقلال أين شغل منصب المدير العام للمسرح الوطني الوليد، الذي أسّسه رفقة بعض المثقّفين، ثمّ غادر ثانية إلى فرنسا سنة 1965 عقب الانقلاب.
تقلّد منصب مسؤولية بمسرح غرب باريس، بمساعدة رفاقه السابقين في سجن فران من المثقّفين الفرنسيين أمثال: فرانسيس جونسون وهنري كيريال من شبكة “حملة الحقائب” أصدقاء ثورة نوفمبر. انخرط بعدها في كفاح الشّعب الفلسطيني بعد لقاء جمعه بوديع حدّاد – المسؤول العسكري للجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين- بهافانا عاصمة كوبا، ونسّق وقدّم الدّعم اللّوجيستي لعدّة عمليات للجبهة الشّعبية ولمنظّمة “أيلول الأسود”، ونفّذ بعض العمليات بنفسه.
كان الشّهيد بوديّة يربط بباريس بين المناضلين الفلسطينيين وشبكات الدّعم للقضية الفلسطينية التي تشكّلت في كلّ المدن الفرنسية، مستثمرا شبكات أصدقاء ثورة نوفمبر من المثقّفين الفرنسيين، في توفير المبيت، والأموال والهويات المزيّفة للفاعلين الفلسطينيين في كلّ أوروبا من أجل تسهيل تحرّكاتهم. ومن العمليات التي شارك فيها الشّهيد بوديّة لصالح الثّورة الفلسطينية: عملية خطف طائرة خطوط “العال” الإسرائيلية من طرف البطلة ليلى خالد في 7 سبتمبر 1970، وعملية عيد الفصح بإسرائيل في 11 أفريل 1971، وعملية الجيش الأحمر الياباني في 30 ماي 1972، وعملية تريست بإيطاليا في 5 أوت 1972، وعملية ميونيخ الاستعراضية في 5 سبتمبر 1972، وأخيرا عملية مدريد في 26 جانفي 1973، حيث نفّذ بنفسه عملية تصفية لعقيد في الموساد يُدعى: باروخ كوهين، كان مسؤولا عن منطقة أوروبا بأكملها، قبل أن تطاله يد الموساد وتُفخّخ سيارته “الرونو ستّة عشر” في 28 جوان 1973 بشارع سان برنار بباريس.