أيّ دم نسكب.. وبأيّ سلاح نكتب؟
على بصيرة
أيّ دم نسكب.. وبأيّ سلاح نكتب؟
أ. د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
لقد تكسرت الأقلام، وتمزقت الأزلام، وفسح المجال للضرغام المقدام. زلزلت المقاومة الفلسطينية زلزالها، فباغتت «الجيش الذي لا يقهر» بأثقالها، ودكت الحصون، وبثت الرعب في بني صهيون. إنه بزوغ الفجر الفلسطيني الجديد من خلال طوفان الأقصى المجيد، بقيادة المارد الصنديد، الذي أصبح يبدئ ويعيد، فيضع في أيدي الأعداء الحديد، ويسوقهم زرافات إلى الأسر كالعبيد.
هاهو –إذن- التاريخ الجزائري يعيد نفسه في فلسطين، ليوقظ الجميع من ثقل النوم الغطيط، ويبعث الأمل في الأمة من الخليج إلى المحيط، وليبدد حلم التطبيع الخؤون، ويشيع اليأس في صفوف بني صهيون.
حوّلت المقاومة الفلسطينية، نهار الصهاينة إلى يوم أسود حزين، ومستوطناتهم العدوانية إلى قبور للميتين، وأفراحهم ونباحهم إلى جثث هامدين.
فما أغنى عنهم «موصادهم» ولا أفادهم استعدادهم، ولا حماهم من الدمار عتادهم.
تبارك رحم الأمة الفلسطينية التي أنجبت، وحمى الله حضن الحركة الإسلامية التي أعدت وأمدت، وبارك في القيادة التي خططت، ونفذت، فنجحت وربحت.
إن الملحمة البطولية التي خاضها نسور «طوفان الأقصى» والتي أجهزوا فيها على الأعداء فأسروهم، وعلى المستوطنين المعتدين فجندلوهم، إن هذه الملحمة قد قدمت للعالم أجمع صورا من البطولة، والشجاعة، وفن الحرب ما يصلح لأن يكون درسا عسكريا في فن المقاومة، يقدم للأكاديميين، منهجا وطنيا، يسطر لخلاص المستضعفين.
شهد الله، أن ما قام به الفدائيون في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة، هو سلسلة من الدروس، تصلح لأن تملأ قاموسا في فن المقاومة والجهاد.
ويمكن حصر هذه الدروس، على سبيل المثال في المعاني التالية:
1- الإيمان والوعي بعدالة القضية، مما مكنّ من الجود بالنفس والنفيس، والإقدام على جسور الموت إذ حمى الوطيس في جو من المباغتة الكاملة للعدو التعيس.
2- الكشف عن هشاشة الأعداء، الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب.
3- إسقاط ورق التوت عن أنصار التطبيع الذين ظلوا يرفعون راية الاستسلام، ويبيعون للناس الأوهام، ويتبجحون بالمصطلح المظلوم الذي هو السلام.
4- تقديم العزاء في اتفاقيات العار والصغار، كاتفاق كامب ديفيد، واتفاق أوصلو، والدعوة الإبراهيمية وغيرها من المصطلحات المظلومة.
لقد وعي المارد الفلسطيني –إذن- كلّ هذه المعاني، وأدرك مدى تبعاتها، وأقدم على خوض الملحمة التحريرية، فأرهب الأعداء، وحقق النصر في عزة وإباء.
وفي حين لاذ الحكام العرب بالصمت المخزي، وأنحوا باللائمة على صاحب الحق المجزي، أعلن الغرب المتصهين دونما خجل أو حياء، عن مساندته للعدو الصهيوني، بما أمكن من عتاد وزاد وعباد.
فواخجلتاه من بني قومي، الذين أنحوا باللائمة على أصحاب الحق المدافعين عن حقوقهم، وتأسفوا للضحايا من المعتدين الغاصبين.
على أن المجاهدين عن الحق، يمسكون بالأسرى صفر الوجوه، عليهم خلع المذلة بادية.
لذا نوصيهم بما أوصاهم الله به حين قال: ﴿ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾[سورة محمد- الآية 4].
فيا رموز العزة في وطني ! لقد رفعتم رؤوسنا، ورؤوس كلّ المستضعفين، ومرّغتم بالتراب أنوف الجبناء المعتدين، فكتبتم بدمائكم بسملة فاتحة نهاية المحتل.
وغدا تسوقهم الجموع غدا إلى قبر العدم.
ولا عبرة بسياسة الأرض المحروقة التي يطبقها العدو ضد العزل والأطفال والنساء والمستضعفين، فتلك ضريبة الحرية.
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تدق
ورحم الله نزار قباني حتى صاح فينا بهذه الحقيقة:
ظل الفلسطيني أعواما على الأبواب
يشحذ خبز العدل من موائد الذئاب
ويشتكي عذابه للخالق التواب
وعندما أخرج من إسطبله حصانه
وزيّت البارودة الملقاة في السرداب
أصبح في مقدوره أن يبدأ الحساب
فأي دم نسكب.. وبأي سلاح نكتب؟؟