المطور أرسل بريدا إلكترونيا 2023-10-30آخر تحديث: 2023-10-30
أ. د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
مهما أوتي الأدباء من بلاغة، ومهما وهب الإعلاميون من براعة، فإنهم لن يصلوا إلى وصف ما يحدث في غزة، من فظاعة ومن بشاعة. غير أن غزة المجاهدة بأشبالها، والصامدة بأبطالها، والمنتصرة بأغوارها، وأحرارها، مافتئت تكتب كلّ لحظة بدماء نسائها وأطفالها، أروع صور البطولة ضد الهجمة الصهيونية، بأنذالها وأذيالها.
إن غزة العزة، تقدم للعالم اليوم صورة الصراع بين الحق والباطل، وانهزام الضباع على صخرة القسام، المنتصب المقاتل.
سبحانك اللهم، أعدت كتابة التاريخ في أيام نوفمبر، على يد البطل الفلسطيني الأسد الغضنفر، الذي هو يرغي ويزبد ويزأر ويزمجر، فيذيق العدو الصهيوني المعتدي، المرّ من العلقم والموت الأخطر.
فأسبوعان من انطلاق طوفان الأقصى الذي كشف عورة الأعداء، وفضح هشاشة الضباط الجبناء وأسر العشرات من العساكر المسلحين، وسط العويل والبكاء، ودون طلقة نار واحدة تؤكد تدني الحد الأدنى من الكبرياء.
هذه –إذن- هي إسرائيل، التي ظلت تعربد طيلة عقود في السماء العربية، بمباركة من الإمدادات، والمساعدات الغربية، فكانت تحكي انتفاخا صولة الأسد.
واليوم، وقد بعث الله عليهم عبادا، أولي بأس شديد، عزمهم يفل الحديد، وإيمانهم ذو عزم شديد، وسلاحهم الصاروخ المديد.
أيقن الجميع أنّ لفلسطين، جيشا يحميها، وقيادة تعليها، وأمة إسلامية تبنيها.
لقد كتب طوفان الأقصى، بمداد من ذهب، حلقة النصر الأولى في ملحمة الخلاص، ولا عبرة بالهدم والقصف، وسفك الدماء، وقتل الأبرياء، فذلك هو ثمن التضحية والفداء، وسيكون مصير كلّ هذا الإجلاء، والإقصاء، والإخلاء للصهاينة الأذلاء، الدخلاء الجبناء.
فلئن قال الفلسطينيون البواسل كلمتهم، وهم لا يزالون يكتبون التاريخ بدمهم وهمتهم، فما هو المقابل لكل هذا من شعوب أمتهم؟
إن معركة غزة لا تحسم في فلسطين وحدها، ولكنها ذات ذنب طويل، تبدأ بشلال الدم وتنتهي بكل ألوان الدعم، فالنفط في سوق المعركة لا يقل قيمة عن العرق والدم، وسلاح المقاطعة، هو السلاح الأنجع، في العزوف عن كلّ إنتاج الصهاينة والمتصهينين، وحرمة التعامل مع الأعداء، من المطبعين، والمهرولين.
فهذه كلها أسلحة فتاكة من شأنها المساهمة الفعالة في حسم المعركة، وردع المعتدين الصهيونيين.
فإذا أضيف إلى هذا كله، سلاح مشاركة الجيوش الإسلامية في المعركة المصيرية، فذلك يعني الاستجابة لأمر الله في قوله: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾[سورة الأنفال –الآية 72] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ [سورة الأنفال- الآية 36].
فلا مجال اليوم للتردد في اتخاذ المواقف، فكما أقدم المجاهدون الجزائريون، بالأمس في جهادهم، وهم قليل مستضعفون، من حيث العدد والعدة، ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ﴾ [سورة آل عمران- الآية 146] فكتب الله لهم النصر. فكذلك سيكون حال الفلسطينيين.
واليوم ونحن نحيي ذكرى الجهاد والمجاهدين في ذكرى نوفمبر الجزائري، يجب أن يستلخص أكتوبر القسام، قبسات من نور ونار الثوار الأحرار في الجزائر، ليستلهم منها إخواننا الفلسطينيون المعنى والمبنى، في مجاهدة المعتدين الغاصبين من الصهاينة، وليتأكدوا أن الصهاينة لن تغني عنهم فئتهم شيئا ولو كثرت.
وإلى أحرار العالم، حتى بين اليهود، نوجه نداء تحذير وتبصير، أن الحق لا جنس له ولا لغة، ولا إقليم، وإنما الحق هو جنسية جميع العقلاء، ورداء كلّ النبلاء، ورسالة كلّ الفضلاء، فليوحد أحرار العالم مواقفهم ضد قتلة النساء والأطفال، وهادمي البيوت والمستشفيات على الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع.
إن سجلات التاريخ قد فتحت صفحاتها فليكتب الجميع أسماءهم بمداد العزة، والكرامة، وليقفوا في وجه المغامرين من الأعداء، والمتخاذلين من العملاء، ذلك أن البقاء سيكون للحق ولأجل الحق دائما، وأن الحق، مهما واجهته التحديات ووقفت دونه المكائد والمؤامرات، فإنه سيحقق في النهاية أغلى الانتصارات.
وكما نحتفل اليوم بنصر جهاد نوفمبر في الجزائر في شموخ وإباء، سيتاح لنا أن نحتفل قريبا إن شاء الله، في فلسطين، بعد أن يطهرها أهلها الأباة من الغزاة، والجناة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو القوي العزيز.
فصبرا صبرا يا آل غزة، ويا أبناء فلسطين، فالنصر قد لاحت أنواره، والاستقلال قد بدا صبحه واعتباره، والويل لمن تصاممت أذناه، أو عميت أبصاره.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.