فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3371.38
إعلانات


حتَّى لا نمضي بعيدا عن استحقاقات طوفان الأقصى

حتَّى لا نمضي بعيدا عن استحقاقات طوفان الأقصى

بقلم: فاروق طيفور

2023/10/24

“ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ” الحج. الآية (60).

لا بد أن ندرك اليوم أن قضيتنا المركزية قد دخلت مرحلة جديدة وهي منتصرة بموجب الآية 60 من سورة الحج، فالمقاومة عاقبت بمثل ماعوقبت به من قبلُ بالتمام والكمال والانجاز والإعجاز والإبداع الذي أحدث صدمة عملاقة في البيت الأبيض، ثم بُغي عليها بالقصف وقتل النساء والأطفال وتدمير البنى والمستشفيات من طرف كل هؤلاء الحلفاء الخمسة (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا) من الطواغيت والظلمة والمجرمين الذين شرعنوا لحرب الإبادة في غزة.

ومن بُغي عليه في مثل هذه الحالة وبهذه الصفة الموثقة والمشهودة ستُطبق عليه سنن الله الغلابة “لينصرنه الله”، وبشهادة “العالم الحرّ” في كل مكان، فقد استطاعت المقاومة أن تجند وتُشهد الرأي العام العالمي حولها في كل القارات من دون استثناء، وهي لحظة تاريخية فارقة لو صرفت عليها ملايير الدولارات لما تحقق هذا الإجماع العالمي حول القضية المركزية الفلسطينية.

هو إدراك جديد (إدراك الانتصار) سيساهم في بناء ذهنية جديدة تنسجم كليا مع زمن التحولات الذي نعاصره اليوم، وأول قاعدة في هذه الذهنية الجديدة هو ضرورة الخروج من مربّع الهزيمة الذي دشن منذ بداية مشاريع التسوية والاستسلام وسيادة الرواية الصهيونية حتى لدى النخب السياسية بمختلف مشاربها الفكرية، ووصل الأمر إلى تكييف خطاب حتى الحركات الإسلامية التي تمثل خط الدفاع الأول عن ثوابت ومبادئ وقيم الأمة والقضية، فحالة الغفلة والإحباط واليأس التي كانت تميّز مرحلة ما قبل07 أكتوبر 2023، في مقابل حالة الطغيان والتغلُّب والتحكُّم للكيان الصهيوني وحلفائه، ينبغي أن نرسم لحظة

نهايتها وكسر الأصنام التي صنعت لها في ساحاتنا المختلفة.

وثاني تلك القواعد هي تأكيد حقيقة أصبحت اليوم يعترف بها حتى المفكرين الصهيونيين الذين يكتبون في أكبر صحف الكيان، هو أنه لو تُركت المقاومة في مواجهة الكيان لأنجزت النصر الكامل في تلك الـ25 دقيقة التي صنعت الفرق وكشفت زيف الجيش الذي لا يقهر، وأسقطت أقنعة قوى الاستكبار والإجرام العالمي التي شعرت بهذه الحقيقة فهرولت نحو حماية كيانها أو ثكنتها المتقدِّمة ببوارجها الحربية وخبرائها الذين التحقوا عاجلا بغرفة عمليات العدوّ، ولذلك حتى لو خسرنا المعركة لا قدر الله فقد أنجزنا أهم انتصار في هذه اللحظة التاريخية التي بدأت ولن تتوقَّف، وهو بناء قناعة جديدة لدى النخب والمجتمع ولدى الشباب أنه بإمكاننا الانتصار والاستقلال عندما نعتمد على أنفسنا ونبدع أدوات معركتنا ونصنّع سلاحنا وغذاءنا.

إنّ أمة المليار بنخبها وشبابها ومؤسساتها السياسية والمجتمعية التي عانت وما زالت تعاني من نفسية عدم وجود جدوى من العمل والتغيير وبناء القوة التي أمرنا بها الله سبحانه وتعالى بقوله “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة” وهي الآية التي اتخذتها أم الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي شعارا لها، صارت اليوم مع نموذج كتائب القسام وحركة حماس التي كانت بلا شك تسمع وتعاني من نفس الحالة وهي التي كانت تسأل دوما بلغة “ماذا انتم فاعلون والأقصى يهوَّد ويدمَّر والعدوان قائم كل يوم والشهداء كل يوم؟”، وسؤال أكثر حرجا “ماذا تفعلون منذ بناء جدار العار سنة 2008 وما بعد مسيرات العودة ومعركة سيف القدس ووحدة الساحات ومراكنة الصواريخ العراقية وانتم تعودون أدراجكم إلى سوريا الظالم حاكمها وتتعاملون مع أنظمة مطبّعة بل وتعتمدون المبادرة العربية وأراضي 67 في رؤيتكم المكيفة”؟

هي أسئلة كانت مشروعة قبل طوفان الأقصى والسابع من أكتوبر 2023، لكن هذه الأسئلة المستفزة لقيادة حماس والقسام أصبحت اليوم مفرداتها تنتمي إلى مربع الهزيمة والاستسلام الذي تجاوزته المقاومة وينبغي أن تخرج النخب والمجتمع الشعوب العربية والإسلامية من غفلتها لتدخل في معركة التحرير والمرحلة الجديدة التي بنتها المقاومة بصبرها وتحملها وتقديرها وإعدادها، ذلك أن الصدمة التي أحدثتها معركة طوفان الأقصى وخطة العمل وأدوات الهجوم وتوقيته وكيفية تسيير ما بعد الهجوم الذي أثخن في العدو وغيَّر قواعد اللعبة وصنع ميزان قوى جديدا، هجوم فاجأ الصديق المهزوم قبل العدو المغرور، هذا العدو الذي مازال وبعد أسبوعين لم يجد نقطة التوازن وقاعدة الاستقرار التي تؤهِّله لبناء خطة الرد سوى القصف العشوائي للمنازل والمستشفيات وقتل الأطفال والنساء.

وحتى لا نمضي بعيدا عن استحقاقات طوفان الأقصى والمرحلة الجديدة التي دشنها في نفسية وعقلية المواطن العربي المسلم ينبغي أن ندرك القضايا الأساسية التالية :

أولا: أن علاقة النخب بالمجتمع هي علاقة قيادة وتكامل وليست علاقة تبعية وتداخل، وأن عمل النخب سواء كانوا نخبا عضوية منظمة أو مستقلة، هو عمل أساسي ورئيسي يتطلب النضال المستمر المتواصل وصياغة الرؤية وتحديث المقاربات وتجديد الأساليب للمساهمة في تأطير المجتمع الذي يجب أن يقوي أدوات عمله وينوّعها ويوسّعها، فالمرحلة اليوم هي مرحلة الحرية والتحرير، ودخول النخب على خط العمل والفاعلية والاستعداد بذهنية ونفسية جديدة تتجاوز الذهنية والنفسية القديمة التي أرهقتها سنوات الهزيمة والتراجع والتخلف واليأس والمحن وبعد الشقة، وينبغي

عليها اليوم أن تنهض بواجباتها تجاه شباب كان وقودا لنصرة غزة وفلسطين اليوم من دون شروط وبشغف كبير يحتاج إلى تأطير وتوجيه نحو مثابات التغيير والإصلاح في ساحات الحرية والتحرير

بعقلية بناء الذات والقوة بكل أنواعها وأشكالها لتصرف طاقته في تقوية الأمة والوطن، فاستحقاقات طوفان الأقصى تبدأ من القدرة على الخروج من دائرة اليأس والإحباط وفقدان الثقة بالنفس والإمكانات المتاحة إلى دائرة الإيمان بالله التي تنتج الإيمان بالذات والثقة في المستقبل وصياغة رؤى عملية تستند إلى تراكم التجربة والخبرة والنماذج الناجحة.

ثانيا: وحتى لا نمضي بعيدا عن استحقاقات طوفان الأقصى الذي أيقظ فينا الضمائر وعزز فينا الثقة بالنفس وهدم الأصنام التي بناها في عقولنا العدوُّ وحلفاؤه بدعايته العملاقة وخرق السقف الذي كان يحجب عنا الحقائق، فإنّ علينا أن نودّع ومن دون رجعة خطاب المثبطين والمتخاذلين والذين سقطت عنهم الأقنعة، وجرف طوفان الأقصى سردياتهم وعجزهم وفشلهم وخيانتهم.

ثالثا: إن خط الانتصار والانجاز يواجهه خصمٌ عنيد، فبقوته وجبروته فرض علينا بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 تكييف خطابنا وشوّه أهمّ المفردات الرافعة فيه وربطها بمعركته للهيمنة والتحكم، وها هو اليوم يكشف عن حقيقته الدينية والعرقية والتمييزية وهو الذي شرعن لحقوق الإنسان بمختلف عهودها الدولية فجعلنا ننخرط في منظوماته ونبتعد عن كنوز النصر والمجد والفخر والانبعاث في منظومتنا الإسلامية التي صنعت بها حضارتنا التي سرق الغرب أهم منتجاتها العلمية، وراح يصيغ نخبها الحاكمة على موائده وأكاديمياته لتكون حاجزا أمام الأمة للنهوض، وحين تقوم الشعوب تجدها أمامها كما يحدث اليوم مع طوفان الأقصى في ظل شعوب تنتصر وحكومات تحتضر بين اكراهات واملاءات هذا الغرب المنحاز للاحتلال وضغط وتطلعات شعوب

سقفها أعلى وأرفع من هؤلاء الحكام الذين أكّدت معركة طوفان الأقصى أنهم مجرد دمى يحرّكها الغرب كما يشاء وحوّلهم من دول تملك جيوشا ومؤسسات وقرارا وسيادة، إلى جمعيات خيرية لا تستطيع حتى اتخاذ قرار تقديم العون الإنساني العاجل لتحوِّل معركة طوفان الأقصى من قضية مركزية تحررية إلى مجرد إغاثة إنسانية مع تسجيل استثناءات حافظت على الحد الأدنى المضمون للمقاومة والممانعة، في مقابل غرب منحاز ومنخرط حتى النخاع في المعركة تدبيرا وتسليحا وحماية.

رابعا: وهو ما يفرض علينا استحقاقا لا يقلّ أهّمية عما ذكرناه أعلاه، وهو إدراك وفهم كيفية تجاوز المقاومة لسلطةٍ ونظام يعمل على تأجيل الانتصار بآلية التنسيق الأمني مع العدو ويعرض نفسه ممثلا وحيدا للشعب ويسجن المقاومين في الضفة الغربية ويتحكم في مفاصل الدبلوماسيات التي يتعامل معها العالم، وبموجب طوفان الأقصى استطاعت المقاومة أنّ تخاطب حتى شعوب ونخب الدول المنحازة للكيان وأخرى مطبعة معه (بريطانيا وفرنسا نموذجا).

إن الاستحقاق اليوم هو العمل على استدامة هذه المرحلة بتوفير عوامل استمرارها وفي مقدّمتها وحدة الساحات الداخلية ودعم الجبهات المحيطة والخروج من مجرد دائرة الفرجة الإعلامية ومتابعة الأخبار المفرِحة تارة والمحزنة في عدة أحيان إلى تعضيد وتقوية الكنز المفاهيمي والنفسي للمعركة ومرافقة هذه اللحظة لتثبيت روايتنا ورسالتنا والدق عليها في عقول شبابنا عبر مختلف أساليب ووسائل التربية والتكوين والتثقيف بتحريك مؤسسات صناعة الوعي في الأمة وتفعيل أدوارها، فالمعركة ليست فقط وقفات ومسيرات على أهميتها وفوريتها في صناعة الرأي العام والتأثير في القرار، ولكن تفعيل المستوى الثقافي والتوثيقي والتعليمي والسينمائي والفني وتصليب قوة المقاطعة الاقتصادية والتجارية والرياضية وغيرها هو درس هامّ من دروس معركة الإعداد والاستعداد لأن مرحلة التحرير بدأت ومدرسة الانتصار في حاجة إلى طلاب جدد، فإخضاع الخصم حينها لا يخضع لقواعد… يسجّل المنتصر ويتجاهل طريقة الانتصار.

‏لم يكن الموضوع في يوم من الأيام (قوة الحق) بل (حق القوة)، ومن هنا أصبح العبء واقعا على كل أمة أن تثبت نفسها بأنها تستحق الحياة داخل هذه الغابة فلا شيء يُعطى مجانا .

إنّ ‏الشكوى من العالم المنحاز غير مجدية… فتلك طبيعته، وبنيته أساسها (المشاحّة)…

فإن لم تقدّر ذاتك وتخدمها فلا تنتظر من غيرك أن يفعل..

وكما قال د. جاسم سلطان في تدوينة له: “ستمرُّ الأيام بحلوها ومرِّها… ولكن العمل بسياسة ردود الأفعال الآنية لا يزيد الطين إلا بِلة… وسِكّين القصاب لن تتوقف… وصعود أي أمة من ردود الأفعال إلى مستوى الفعل المخطط الصاعد المكافئ للعصر ليس مزحة، بل انتقال جذري وضريبة عرق ودموع.. والكثير لا يقدّرونها.”


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة