عرفنا حكم المرتدين عن الإسلام، وقاد سيدنا أبوبكر رضي الله عنه حروب الردة لإعادة الامور إلى نصابها، واليوم نجد أنّ شيوخ الديانة الابراهيمية مدعوون ليوضحوا لنا حكم المرتدين عن الدين الإبراهيمي الجديد، فالواضح أن الأحداث في فلسطين أثبتت ردة واضحة عند دينهم، لكنها ردة ليس لها أبو لهب صهيوني ليطفئها، لأن الصهيونية لا تملك إلّا كما يملك أبو لهب من اسمه إلا المزيد من النيران في وجه العزل من نساء وأطفال فلسطين ومن ورائه قوى الغرب من دول حمّالات الحطب التي تدفع للمزيد من النار والدمار.
إن إسرائيل أحد أعمدة الابراهيمية ومن ورائها المهدي الأمريكي غير المنتظر ودول أخرى في أوروبا بدعمها قتل العرب المسلمين والمسيحيين، تكون وضعت نهاية لدينها الإبراهيمي الجديد في المهد، لتؤكد قول الله “لكم دينكم ولنا دين”.
وحسب الديانة الإبراهيمية فإن أصحاب الديانات السماوية: الإسلام واليهودية والنصرانية ينتمون جميعا إلى جد واحد هو سيدنا ابراهيم عليه السلام، وأن مابينها من خلافات هو خلاف بين الإخوة من جد ومصدر واحد. لكن طوفان الأقصى وتداعياته أثبتت أن الأحداث قد أوقعت القوم في تناقض بين الفكر والممارسة لتجعل دماء فلسطين هي المهدي المخلّص من أكبر كذبة دينية في التاريخ، والموقف الغربي من الأحداث يضع الإبراهيمية -كدين جديد- الديانة الأسرع اختفاء في التاريخ: 2020-2023.
سرعة الزوال ستؤدي إلى سرعة تساقط المشاريع السياسية التي بنيت على أصل الابراهيمية، وبما أن الأصل ما ينبني عليه غيره، فلا مستقبل لبناء يقوم على أصل متصدع اختير له رمزيا أن يوقع على أرض من رمال الصحراء العربية.
لقد جعل الكيان الصهيوني من الاتفاق الابراهيمي مدخلا استراتيجيا لتحسين صورته ونفوذه الاقتصادي، ولكنه اليوم سيعمل مضطرا على تحويل الميزانيات الموجَّهة للاختراق الاقتصادي والدبلوماسي إلى الداخل أمام الصدمة التي لحقت بمستوطناته والخسائر التي لحقت به. ما يعزز سياسة الانكفاء على الذات بدل التفكير في التوسع الإقليمي رغم الدعم الغربي. وحسب تقرير المشهد الإسرائيلي لعام 2021 فقد أسهمت اتفاقيات ابراهام -حسب التقييمات الإسرائيلية- في تعزيز الوضع الاستراتيجي الإسرائيلي في مقابل إضعاف الفلسطيني، وبالتالي فقد أصبح الصراع مع الفلسطينيين بالنسبة للكيان الصهيوني المصدر الأضعف في قائمة المصادر المهدِّدة للأمن القومي الإسرائيلي. لكن طوفان الأقصى يقصي هذه النظرية، وهو ما يؤكد فشل مراكز الدراسات الإستراتيجية والاستخبارات عن فهم طبيعة الصراع فضلا عن توقع مستقبله.
لقد شكلت الابراهيمية مجرد غطاء لرؤية أمنية صهيونية ترى أنّ الكيان الصهيوني قد تخلّص من أعباء الداخل، وعليه أن يركز جهوده على التهديدات القادمة من الإقليم. وبدأ الكيان بدعم غربي في حشد أطراف عربية في دينها الجديد، لمواجهة التهديد الإيراني، لكن الجميع اليوم يفاجئ باستمرار جذوة الصراع وانطلاقها من الداخل، وقدرة الفلسطينيين على إبداع الوسائل التي أسقطت جميع النظريات السابقة حول التسوية وجعلت صوت فلسطين حاضرا في كل محفل اقليمي أو دولي بعدما اعتقد هؤلاء أنهم قد أسكتوا صوت فلسطين إلى الأبد.
لم يعد الكيان الصهيوني بحاجة اليوم للإبراهيمية فقد خبِر أمتنا وخبِرناه، وخبِرنا من بعده الموقف الغربي الذي لايهمه سوى الالتزام الديني والأدب تجاه الكيان الصهيوني.
لقد ارتدّ الجميع عن دينهم الجديد وبدت البغضاء من أفواههم وما أخفت صدورهم أعظم.
السلام عندهم يتوقف على سلامة الكيان الصهيوني والدين عندهم إرهاب ما لم يعترف ويفتي بحق إسرائيل في احتلال الأراضي الموعودة، والقانون الدولي مجرد قانون افتراضي إذا كان المعني بتنفيذه هو إسرائيل. والمقدسات العربية مستباحة مادام المدنَّس فيها عربيا اسلاميا أو مسيحيا. المهم هو التفوق العرقي والديني والحضاري لأمم الغرب على الشرق.
إن اليمين الصهيوني المتطرف ومن ورائه الأحزاب الدينية الصهيونية الأكثر تطرفا، هي المخرجات الحقيقية للمجتمع الصهيوني، ففي لحظة الإعلان والإشهار للدين الإبراهيمي والهرولة نحو تبنّي الديانة الجديدة تحت مبرّر صنع السلام، كان المجتمع الصهيوني يفرز المزيد من التطرّف في مؤسساته المنتخَبة مما يعني أنّ التطرف هو خيار المجتمع وليس خيار الساسة فقط. وفي ذلك نظرة معاكسة لوحدة الديانات والمصير التي صدّعوا بها رؤوس العالم، لذلك كان من الطبيعي أن تكون ردود فعل حماس هو المزيد من الصلابة في المواجهة؛ ففي طوفان الأقصى إعادة الصراع لوضعه الصفري.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.