جنين بورزق

مقاومة تفعل.. وكيان يترنَّح!

محمد سليم قلالة

2023/10/10

لأول مرة في تاريخها، تنتقل المقاومة الفلسطينية إلى مرحلة استحداث الفعل بدل ردِّ الفعل. الذي يعيش ردَّ الفعل اليوم هو الكيان الصهيوني. لا تهمّ المقدرات ولا حسابات الربح والخسائر، بقدر ما يهم طبيعة الموقف. لقد غيّرت المقاومة الفلسطينية طبيعة المعادلة وما سيأتي بعده لن يكون سوى ردود أفعال صهيونية، وهي المرحلة التي طالما انتظرناها، لأنها هي بداية النصر الأكيد.

الحالة الذهنية للعسكريين الصهاينة وحلفائهم الغربيين هي حالة من تَلَقَّى الضربة ويقوم مُتَرنِّحا بردِّ الفعل، يُلوِّح بالانتقام بكل ما لديه، يهذي بكل ما يُمكِن قوله، يُسارع إلى طلب النجدة من حليفه الأول، ثم من حلفائه الآخرين الأقرب فالأقرب.. وهو بالفعل ما حدث للقيادة الصهيونية، جَمْعُ كل ما لديها من وسائل قوة، طَلَبُ المزيد من الأمريكي “الشُّجاع!”، الشروع في الضرب في كل مكان، تجميع كل الترسانة العسكرية قرب حدود غزة، الحصار بكل الوسائل، التجويع، قطع الماء والكهرباء… الدعوة إلى لملمة الصفوف الداخلية، التفكير حتى في إبادة غزة بالسلاح النووي، البحث عن كل ما هو مُتاح من وسائل التخريب والتدمير للخروج من حالة الهزيمة الداخلية التي وجدوا أنفسهم فيها.. لم يعرفوها من قبل، ولم يعرفوا ما العمل بعدها؟

وفي الجانب الآخر، بهدوء.. بوسائل بسيطة، مُسلَّحين بالثقة في الله، تعالى، وفي أنفسهم، وبالإرادة الثابتة في استعادة الحق المسلوب، من دون تكنولوجيا مُتقدِّمة ولا طائرات أو صواريخ فرط صوتية، ولا رادارات، ولا قبة حديدية، ولا “بيغاسوس” أو آخر صيحة من أدوات التَّصنُّت والتشويش، تتمكّن فئة قليلة من رجال صادقوا ما عاهدوا الله، من اقتحام حصون العدو التي أحاطها بالأسوار العالية وجَهَّزها بأرقى وسائل الاستشعار والرَّقابة، ومن تحرير جزء من أرضهم بقوة السلاح، بعد أن استعلى العدوُّ ورفض إعادة الحق لأصحابه بعنوان السياسة والقانون.

هكذا استيقظ الكيان على واقع جديد صبيحة السابع من أكتوبر وهو يستعدُّ لحفل اختتام عرسه التلمودي الذي أقامه لأسبوع في بيت المقدس لإذلال المسلمين، ولن يستطيع عبثا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لقد فَقَدَ زمام المبادرة بعد اليوم، لقد عرف العالم أجمع، أنه لولا لجوئه إلى طائرات أسياده الأمريكان، واستنجاده بحاملات طائراتهم، لما استطاع استعادة شبر واحد مما حرَّرَه المقاومون. انتهت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهَر، انتهت أسطورة العسكري الصهيوني الأكثر تدريبا، تمَّ اختراقُ الحصون التي لا تُختَرَق، تم دخول المستوطنات المُحصَّنة، تم دفع الآلاف إلى الفرار عبر مطار بن غوريون هَلَعًا، تم إيقاف الهجرة إلى الكيان، تم قبرُ التطبيع إلى غير رجعة، لن يزور المطبِّعون الكيان بعد اليوم، فهو غير آمن، لن يَطلُبَ الجبناءُ الرَّعاديد من الكيان حمايتهم بعد أن عجز عن حماية نفسه، لن يتباهى بتفوُّقه التكنولوجي الذي لا مثيل له، لن يُغري الشعوبَ الإفريقية والآسيوية اليوم بعدّته وعتاده، وهو المهزوم في عقر داره بأبسط الوسائل، لن يجرؤ على ارتداء لباس القويِّ الذي لديه عيون في كل مكان، لن يُصدِّق أحدٌ بأن الموساد هو أقوى استخبارات في العالم حتى وإن تحالف مع الاستخبارات الأمريكية، لن تثق الشعوب المقهورة في الغرب ومساعداته بعد اليوم، لن يتم خداعها بحقوق الإنسان والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها والقانون الدولي الإنساني، لن تنظر بقية العالم إلى الكيان وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا إلا مِلَّة واحدة متواطئة مع بعضها البعض لاستغلال الشعوب المقهورة والهيمنة عليها.

كل هذا سيحدث وأكثر بعد الآن، وسيدفع الفلسطينيون بدلا عن العالم المُستضعَف الثَّمن، لذلك، علينا جميعا مساندتهم في قضيتهم، وتشكيل كتلة واحدة مناهضة لهذه المجموعة الاستعمارية القديمة، الحديثة التي جعلت الكيانَ رأسَ حربتها والأمريكان قادتها… إننا بصدد الدخول في مرحلة أخرى من مراحل التحرير التي شرعنا فيها في منتصف القرن العشرين، وعلينا وعي خصائصها بكفاءة، والاعتماد على أنفسنا وحلفائنا الطبيعيين لوضع حد لظلم استعماري دام قرونا، وهو يَتَرَنَّح الآن في فلسطين بفضل ضربات المقاومة، وينبغي أن يَترَنَّح في كل مكان من هذا العالم المُستَضْعَف المُهيمَن عليه من قبل غربيين ينظرون إلينا كما جاء على لسان وزير دفاع كِيانهم “حيوانات على هيئة بشر”، ينبغي أن نقطع عنهم الكهرباء والطعام والماء والوقود… هذه هي حقيقتهم، لنتعامل معهم على هذا الأساس، وإنها بدايةُ تَغيُّر موازين القوة، بإذن الله.