والآن.. أين النائحون على “المدنيين” الصهاينة؟!
والآن.. أين النائحون على “المدنيين” الصهاينة؟!
حسين لقرع
2023/10/10
منذ الساعات الأولى للغزوة البطولية الفذَّة لكتائب القسام لـ50 موقعا عسكريا ومستوطنة صهيونية، تداعت الدولُ الغربية جميعا، وعلى قلب رجل واحد، للتنديد بهذه العملية “الإرهابية المروِّعة” كما وصفتها، وهذا ديدنُ الغرب منذ سنوات طويلة؛ إذ عوّدنا دائما على انحيازه السافر للاحتلال الصهيوني ومعاداة الفلسطينيين المضطهَدين.
لكنّ الجديد هذه المرة هو أنّ الغرب ذرف دموعا ساخنة على من وصفهم بـ”المدنيين الإسرائيليين” في مستوطنات الغلاف، واتّهم حماسا بارتكاب مجازر بحقّهم، وزعم أنها لم تستثنِ الأطفال ولا النساء، وعدَّ أسْرَ العشرات منهم ونقلَهم إلى غزة للتفاوض على مبادلتهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال “جريمة حرب”!
ما تتغاضى عنه دولُ الغرب عمدا أنّ هؤلاء المستوطنين ليسوا مدنيين، بل هم جنود احتياط لجيش الاحتلال، سواء تعلّق الأمر بالذكور أو الإناث، باستثناء الأطفال منهم، كما أنهم ليسوا “أبرياء يعيشون في أرضهم وجاءت حماس لتعتدي عليهم” كما يصوّر ذلك الإعلامُ الصهيوني والغربي، زورا وبهتانا، لتضليل العالم وتشويه طبيعة الصراع؛ هؤلاء المستوطنون غزاةٌ لأراضي فلسطين، وقد جاؤوا من كلّ حدب وصوب لاحتلالها والاستيلاء عليها على حساب الفلسطينيين الذين يتعرّضون، منذ 1948 إلى حدّ الساعة، لعمليات قتل ممنهجة، وتنكيل متواصل متعدّد الأشكال، قصد إخضاعهم للاحتلال وإجبارهم على العيش كالعبيد في أرضهم بلا أدنى حقوق، وقد كفلت كل الشرائع والقوانين الدولية للشعوب المستعمَرة مقاومة محتليهم إلى غاية دحرهم وإخراجهم من أراضيهم، وما فعلته حماس في مستوطنات الغلاف يندرج في إطار المقاومة المشروعة للاحتلال.
ومنذ قيام ما يُسمّى “إسرائيل” في 15 ماي 1948 إلى الآن، وهي تمارس أبشع الانتهاكات بحقِّ المدنيين الفلسطينيين.. عشرات المجازر ارتكبتها خلال “نكبة” 1948، وتهجير واسع للسكان، وقتل لعشرات الآلاف… وكانت 75 سنة من الاحتلال حافلةً بالانتهاكات وأعمال القمع والتنكيل بالفلسطينيين أمام أنظار العالم كله، فأين كان الغربُ طوال هذه المدة؟
أليس الاستيطانُ الذي ابتلع 40 بالمائة من مساحة الضفة الغربية جريمة حرب، باعتبارها أراضي فلسطينية محتلة كما يعترف الغرب نفسُه والأمم المتحدة؟ ماذا فعل الغربُ لإيقافه؟
أليس هدمُ بيوت أهالي المقاومين الذين يقومون بعمليات في الضفة الغربية والقدس عقابا جماعيا تمنعه القوانين الدولية؟ لماذا يقابله الغربُ بالسكوت المطبق في كلّ مرة؟
أليس النظامُ الصهيوني الحالي يمارس الأبارتايد والعنصرية على غير اليهود في فلسطين؟ لماذا لم يُصدر الغربُ ضدّه أيّ عقوبة في حين أصدر آلاف العقوبات الحازمة ضدّ روسيا فور غزوها لأوكرانيا؟
لنركّز الآن على ما يفعله الصهاينة بحقّ الفلسطينيين في غزة منذ سيطرة حماس عليها في 2007؛ فهي تتعرّض لحصار صهيوني جائر حوّل القطاعَ إلى أكبر سجن مفتوح في العالم حسب المنظمات الحقوقية الدولية، سجن يقبع فيه 2.3 مليون إنسان يفتقدون إلى ما يكفيهم من الغذاء والدواء وضروريات الحياة منذ 16 سنة كاملة، أليس هذا الحصارُ الجهنّمي محظورا دوليا باعتباره جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية؟ ماذا عمل الغربُ لرفعه؟
خلال هذه السنوات الـ16 تعرّضت غزة لحروبٍ عدوانية وحشية كان الاحتلالُ يتعمّد فيها تدميرَ آلاف السكنات على رؤوس ساكنيها ويقتل المئات في كل مرة، بلا مُحاسِب، والكثير منهم أطفال ونساء وشيوخ.. خلال أربعة أيام فقط من “طوفان الأقصى”، قتل الاحتلالُ 185 طفل و140 سيدة بحمم طائراته، والقائمة لا تزال مفتوحة… فلماذا عميت عنهم أبصارُ الغرب ورأت فقط الرهائن من مدنيي مستوطنات الغلاف؟ أم أنها لا تعمى الأبصار بل تعمى القلوبُ التي في الصدور؟
يوم الاثنين 09 أكتوبر 2023 سيبقى وصمة عار في جبين الإنسانية كلها، وفي جبين دول الغرب المتباكية على الصهاينة وحدهم؛ ففي هذا اليوم قرّر وزيرُ دفاع الاحتلال، بكلّ صلفٍ وحقد وعنصرية، قطعَ الكهرباء والغاز وحتى الماء والغذاء عن مليونين من سكان غزة، بذريعة أنهم “حيواناتٌ بشرية”، وقد وصفت منظماتٌ حقوقية دولية هذا القرار بأنه “جريمة حرب”، و”عقابٌ جماعي” يتعارض مع القانون الدولي الذي ينصّ على أنّ توفير الاحتياجات الأساسية للسكان الواقعين تحت الاحتلال هو مسؤولية المحتلّ، لكنّ دول الغرب المنحازة بشكل أعمى إلى هذا الاحتلال العنصري الفاشي لزمت صمتا مطبقا إزاء هذه الجريمة الجديدة وإزاء المذابح المستمرّة بحقّ مدنيي غزة والتدمير الهمجي لبيوتهم.. بل إنّ بعضها عدّ هذه المذابح المستمرّة إلى حدّ الساعة “دفاعا عن النفس”! أبعد كل هذا تحدّثوننا عن “مدنيي المستوطنات” وتحاضرون علينا في “القانون الدولي الإنساني” بلا أدنى خجل أو حياء؟
أنتم مثلٌ صارخ للنفاق والعنصرية وازدواجية المعايير وانتهاك القانون الدولي إذا كان في غير صالحِكم وحلفائِكم الفاشيين.. كلُّكم ملّةٌ واحدة.. بعضُكم من بعض.