ماذا بعد الانسحاب من النيجر؟
ماذا بعد الانسحاب من النيجر؟
عمار يزلي
2023/10/06
إعلان باريس بداية سحب قوَّاتها من النيجر بداية من هذا الأسبوع، يشير إلى أنها تتجه نحو تقليص وجودها في منطقة الساحل، عسكريا على الأقل في الوقت الراهن.
دول المنطقة لم تعد تقبل بوجود قواعد عسكرية أجنبية ولاسيما الفرنسية بحجة محاربة الإرهاب، لم تر هذه الدول سوى تعاظمه وتفاقمه بدون أي تأثير للقوات الفرنسية عليه وعلى اندحاره، حتى أن رئيس الفريق الانقلابي في النيجر صرح قبل أيام للتلفزيون الرسمي النيجيري أنه “بعد سنوات من الوجود الفرنسي على أرض النيجر لمحاربة الإرهاب، لم يقتل من الجيش الفرنسي جنديٌّ واحد، في حين قُتل من أبنائها الكثير”، ملمِّحا إلى أن المسألة الأمنية وتفاقم الإرهاب والتواطؤ مع فرنسا بشأن هذا الملف، هو ما دفعهم، مع أسباب أخرى لم يذكرها، للإطاحة بالرئيس محمد بازوم.
إعلان باريس بداية سحب جنودها من النيجر، والذي يقدَّر عددهم بنحو 1500 جندي، سبق وأن أعلن الرئيس الموريتاني قبل أيام بصدده، أن “بلده ليس البلد الملائم لاستقبال القوات الفرنسية المسحوبة من النيجر”، مما يعني أن فرنسا قد تكون عرضت أو على الأقل لمّحت لهذه الإمكانية. غير أن موريتانيا ردَّت بالرفض، لكون الإرهاب لا يشكل تهديدا كبيرا لها في الوقت الحالي. بهذا تكون فرنسا تبحث عن بلد آخر يستقبل قواتها المسحوبة، وليس مستبعدا أن تستقبلها آخر دولة تقبل بوجود عسكري فرنسي على أراضيها وهي تشاد.
بداية سحب القوات الفرنسية، وحتى قبلها، بدا وكأنه إنذار مبطن للسلطات النيْجَرية القائمة حاليا، وأن توقف ما يسمى “التعاون العسكري” بين البلدين لمحاربة الإرهاب، سيكون وبالا على النيجر. وهذا ما بدا فعليا قبل أيام، إثر الجريمة الإرهابية في حق عشرات الجنود النيْجَريين في منطقة “تباتول”.
يأتي كل هذا في ظل التحركات الديبلوماسية الجزائرية الحثيثة لاحتواء المشكل الأمني في النيجر وفي المنطقة ككل، ولكن أيضا احتواء المشكل التنموي الذي تراه الجزائر، سبب كل الهزات الأمنية وتفريخ الحركات المسلحة والإرهاب والتقاتل الداخلي. لهذا كانت المبادرة الجزائرية لحل الأزمة النيجَرية، ولهذا أيضا قبلت السلطات النيجرية مؤخرا بدور الوساطة الجزائرية لحلحلة الوضع الداخلي والإقليمي كسلة واحدة لا تقبل التجزئة.
النيجر ومالي وبوركينا فاسو، هذه الدول التي تعاني عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي منذ أمد بعيد، رغم الوجود الفرنسي العسكري بها، هي ما دفعها في النهاية إلى التخلي عن التعاون العسكري مع مستعمر الأمس، ودفعها نحو آفاق جديدة ومقاربات جديدة، كانت الجزائر هي التي اقترحتها ورعتها منذ سنوات في شمال مالي، والمبنية على الحوار الداخلي وبناء أسس الدولة الديمقراطية التي تقبل بكل المكونات العرقية والدينية والطائفية والمجتمعية، وتتقاسم السلطات والحوكمة وتوزيع الثروة عبر سياسة تنموية رشيدة لصالح شعوب ومواطني كل الأقاليم والنواحي والجهات بلا فوارق ولا تمييز.
هذا التوجه، هو ما تحاول الجزائر عبر وساطتها بين السلطات النيجرية القائمة ودول “الإكواس” والاتحاد الإفريقي وحتى الدول الصديقة والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
المبادرة الجزائرية كانت تشير بين البنود التي ضمتها، بند إقامة مؤتمر دولي لتنمية دول الساحل، وهذا يشير إلى أن الجزائر تركز في الوقت الحالي في النيجر وفي غيرها من دول الساحل التي تعرف نشاطا متزايدا للحركات الإرهابية والمسلحة المعتمدة على أنشطة تجارة الذهب الذي تسيطر على مواقع كبيرة من أراضي هذه البلدان، على التنمية الاقتصادية العادلة وتثبيت قوة الدول المركزية في هذه الدول عبر دمقرطة الحياة السياسية والعودة إلى الحكم المدني.