الفرانكوش يعودون هذا الأسبوع
بعد أن بدأت قلاعُها اللغوية تتهاوى تباعا في الجزائر، من خلال زحف التعريب على المزيد من المواقع الرسمية، وقرارات تدريس اللغة الإنجليزية في الابتدائي والجامعي، بدأت فرنسا تتحرّك للتشويش على هذا المسعى، وإن أخذ هذا التحرّك شكلا غير رسمي من خلال الإيعاز إلى صحيفتي “لوفيغارو” و”لوموند” بكتابة مقالات وتقارير تذرف فيها دموع التماسيح على تلاميذ المدارس الخاصة في الجزائر بعد قرار السلطات منعَها من مواصلة الاعتماد على المنهاج التربوي الفرنسي والاكتفاء بالمنهاج الجزائري وحده كما هو حاصلٌ في المدرسة العمومية.
لكنّ اللافت للانتباه أنّ هذا القرار لم يُثر حفيظة الإعلام الفرنسي فحسب، بل امتدّ حتى إلى إعلاميين ومثقفين جزائريين آثروا بدورهم أن يهرعوا لنجدة أمّهم فرنسا فكتب أحدُهم في موقع الكتروني قائلا إن التلاميذ الجزائريين يواجهون الآن “مصيرا مظلما” بعد منعِ المنهاج التربوي الفرنسي، في حين شنّ فرنكفيليون جزائريون آخرون حملة ضارية في إحدى القنوات التلفزيونية بالخارج تباكوا فيها على مصير تلاميذ المدارس الخاصة بالجزائر وزعم أحدُهم أنّ السلطات، بقرارها هذا، لا تريد أن يتفتّح أطفالنا على الخارج من خلال إتقان اللغة الفرنسية، وطعن آخر في مسار التعريب، وزعم أنه تسبّب في انهيار مستوى المدرسة الجزائرية.
أولا: المدارس الخاصة بالجزائر هي مدارس جزائرية وليست فرنسية، ومن غير المعقول أن تدير ظهرها للمنهاج التربوي الوطني وتدرّس المنهاج الفرنسي في بلادنا، هذه إهانة لها وانتقاصٌ من سيادتها، هل تقبل فرنسا أن تدرِّس مدارس خاصة فرنسية المنهاجَ الجزائري للتلاميذ الفرنسيين؟!
ثانيا: ما تناساه هؤلاء الفرانكوش هو أنّ تلاميذ المدارس الخاصة في الجزائر لا تتعدّى نسبتُهم 5 بالمائة فقط من مجموع تلاميذ البلاد وطلبتها في الأطوار الثلاثة من التعليم: الابتدائي والمتوسط والثانوي، والحديث عن “مستقبل مظلم” ينتظرهم ينطوي على تهويل كبير، فهؤلاء يعيشون في بيئةٍ عربية منذ صغرهم وليسوا فرنسيين، ويمكنهم متابعة دروسهم بالعربية، وإن واجهتهم بعضُ المشقّة في البداية.
الفرانكوش يعودون هذا الأسبوع
حسين لقرع
2023/10/03
ثالثا: القول إنّ السلطة تريد حجب أبنائنا عن العالم من خلال فرض التعريب و”منع؟” الفرنسية، غير صحيح، فهي لم تمنع الفرنسية وما زالت تُدرَّس في أطوار التعليم جميعا إلى جانب الإنجليزية، ما منعته السلطة هو المنهاج الفرنسي تحديدا، كما أنّ الإدّعاء بأنّ الفرنسية ستمكّن أبناءنا من الإطلاع على المعارف والعلوم، غير صحيح أيضا، ما يمكنّهم من ذلك هو إتقانُ الإنجليزية وليس الفرنسية؛ الإنجليزية هي اللغة الأولى في العالم، وهي الأكثر انتشارا، ولغة العلوم والتيكنولوجيا والبحث العلمي، وحتى فرنسا نفسها أدركت هذه الحقيقة وشرعت في اعتماد الانجليزية تدريجيًّا لغة علم وبحثٍ على حساب الفرنسية نفسها، فإذا كان هذا حال الفرنسيين أنفسهم، فلماذا يريد أتباعُهم في الجزائر أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك؟!
رابعا: تحميل التعريب مسؤولية تراجع مستوى المدرسة الجزائرية ينمّ عن حقد إيديولوجي دفين وأعمى على لغة الضاد، حقد طفا على السطح في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حينما حاولت الأقلية الفرنكفيلية عرقلة التعريب الشامل للبلاد، وكذا العودة إلى المدرسة الفرنسية الموروثة عن الاستعمار فور الاستقلال، ونجحوا في عرقلة التعريب وقانون تعميم استعمال اللغة العربية إلى الآن، لكنّهم فشلوا في مسعاهم لفرْنَسة المدرسة الجزائرية، وقد حاولوا ذلك مجددا في عهد وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط رمعون التي سعت إلى فرْنَسة المواد العلمية للتعليم الثانوي وكذا التدريس باللهجات العامّية في الابتدائي لضرب اللغة العربية، لكنّهم فشلوا مجددا ورحلت الوزيرة غير مأسوفٍ عليها، والجزائرُ الآن تكرّس تعريب تعليمها وتسير بثبات نحو تعميم تعليم الإنجليزية بعد أن أبعدها الفرنكوش، بنفوذهم، عن مزاحمة الفرنسية سنوات طويلة.
خامسا: قلنا من قبل إنّ تدريس أربع لغات انطلاقا من الابتدائي وهي العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية، يُربك التلاميذ ويشوّش أذهانهم، وهذا “الازدحامُ اللغوي” لن يخدمهم في شيء، والأفضل دحرجة اللغة الفرنسية إلى التعليم المتوسط على الأقل، وصولا إلى الاستغناء عنها مستقبلا ولو بعد عقود، فهي تنحسر باستمرار في العالم، وحتى الدول الإفريقية التي طالما منحتها الاحتكار، كرواندا ومالي وغيرهما… بدأت تتَّجه الآن إلى الانجليزية، وينبغي أن لا تتخلّف الجزائر عن الركب بعد الآن بعد أن جرّبت الفرنسية 61 سنة كاملة بلا فائدة.