هناك بلدانٌ تبدو بعيدة عن العين وعن القلب، لا لشيء إلا لأنها كانت حرّة، لا تلعق أحذية الاستعمار القديم والحديث، ولا يمكن ذكرها من دون بطولات شعبها وقادتها، ومن هذه البلدان، الجارة ليبيا، التي أرادوها ألا تكون، وحتى عندما حلت بها فاجعة الإعصار المدمّر الذي ابتلع آلاف الليبيين والليبيات، لم تجد غير الأحرار الذين عاشوا مثلها نابذين القيود.
في الزلزال الذي ضرب سوريا وآذاها، سجلت الإنسانية وصمة عار عندما أخلطت بعضُ أنظمتها، حتى لا نقول غالبيتها، بين الحياة والموت وبين الرضيع البريء الباحث عن مأوى والرئيس السوري الذي لم يُرضِهم قطّ، وتأكّد انحراف أخلاق الإنسانية وغالبية أنظمتها في مصيبة ليبيا، حتى إن بعض القنوات العالمية الإخبارية ما تكاد تعرّج على كارثة ليبيا إلا ضمن الأخبار العابرة، وبقي الليبيون وحدهم يعدّون موتاهم ويذرفون دموعا تحوّلت مع مرور أيام الصمت العالمي، إلى إعصار حسرة لا يقلُّ إيلاما عن إعصار “دانيال”.
صنّف الليبيون إعصار “دانيال” أكبرَ كارثة عرفتها ليبيا في تاريخها، وصنَّفوا صمت العالم، خاصة في بداية المأساة، ككارثة توأم لكارثتهم التاريخية، ولولا بعض “الشهامة” المتبقية في الكرة الأرضية من الجزائر وأخواتها، لوجدوا أنفسهم في أعاصير لا تتوقف، وما كانوا في حاجة إلا لوقفة معنوية وتضامن مع أبناء “درنة” وغيرها من المدن الليبية المجروحة.
عدما دخلت ليبيا في أزمتها الأمنية في سنة 2011، لم تجد من حولها إلا الطامعين في خيراتها، وكانت كلما اقتربت من الحل، إلا وأشعلوها نارا من حولها، حتى يئس الليبيون من بلوغ السلام الذي ينشدونه، وكل الذين حاولوا نهب الغنيمة كاملة لم يقدّموا حتى تعازيهم في ضحايا الإعصار، ولأن المآسي هي الدرس الأهم للإنسان، فإن إعصار دانيال سيؤكد لليبيين أن الحل في أيديهم، كما كان في ثورتهم العظيمة التي قادها الخالد، عمر المختار.
بقدر ما أقامت الجزائر جسرا جويا نقل المؤونة والأدوية وفرق الإغاثة إلى الشعب الليبي، فقد مدّت جسورَ الحب مع هذا البلد الذي أرادوه أن يكون بعيدا عن العين وعن القلب، فتحوّل إلى عين شاهدت الحقيقية، وقلب أحسّ بالصديق الحقيقي، وليس الطامع في الغنيمة.
ستُكفكف ليبيا قريبا دموعها، وستجعل من سبتمبر 2023 مثل سبتمبر 1931 يوم إعدام البطل عمر المختار، أزمة لولادة همّة شعب، لا خيار له سوى أن يكون بنفسه وبأبنائه كما كان دائما، أما الذين تفرَّجوا على مشاهد الموت في ليبيا فعليهم أن يدركوا بأنهم سيبقون على حالهم لن ينالوا من بلح طرابلس ولا عنب بنغازي.
فقد قال مرة عمر المختار: “إن الظلم يجعل المظلومَ بطلًا، وأما الجريمة فلابد من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء”، وواضح جدا بأن ما قاله المختار منذ قرن، سيبقى صالحا أبد الدهر.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.