فتنة آخر العمر، هي أن يفتن العبد في المنعطف الأخير من حياته؛ فيرى الخير شرا والشرّ خيرا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا.. وهو في أرذل العمر قاب قوسين أو أدنى من قبره، يرتكس في الشّهوات أو الشّبهات أو فيهما معا، وربّما ينحدر ليمسي ظالما غشوما لا يردعه رادع، أو فاجرا يجاهر بالمعصية ويتباهى بها ويهزأ بالنّاصحين، وقد يمسي مفتونا في عقيدته حتّى يصل به الأمر إلى الشكّ في الخالق وفي اليوم الآخر!
يقول أحد الدّعاة: “رأيت رجلا في التاسعة والستين من عمره، وقد زاغ قلبه في أواخر عمره؛ فأصبح يْكذِّب القرآن، وينطق بكلمات الكفر، ويسب الدين، ويترك الصلاة بعدما كان على غير ذلك؛ فارتعد قلبي”، ثمّ يعقّب الدّاعية قائلا: “انتبهوا لقلوبكم يا إخوتي؛ فما زاغت القلوب وقت أفول الحياة، إلا لأنها امتلأت بالأهواء والشبهات والشهوات دون تطهير في أولها.. والرب أكرم من أن يُضل عبدا بعد هدى إلا لأن ذلك العبد كان بينه وبين ربه لا يستحق أنوار الهداية، يقول سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وقال جلّ وعلا: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾”.
هذا الذي تحدّث عنه الدّاعية، نراه ونسمع عنه في واقعنا كثيرا في السّنوات الأخيرة.. فكم سمعنا عن شيوخ في السبعينات وفي الثمانينات وفي التسعينات لا يركعون لله ولا يسجدون. الواحد منهم إذا حدّثه ابنه أو حدّثته ابنته عن الصّلاة قال: “لست أنت من يدلّني على مصلحتي.. لا شأن لك بي”، وربّما يصرخ كالملدوغ ويسبّ ويلعن، وربّما يتكلّم الشيطان على لسانه فيقول: “هناك من يصلّي ويسرق ويزني وينافق!”.. بل قد صلّى النّاس في كثير من المساجد على جنازات أصحابها لم يولّوا وجوههم يوما قبل المشرق ولم يدخلوا بيتا من بيوت الله! ودفنوا كهولا وشيوخا كبارا لم يركعوا لله ركعة ولم يسجدوا له سجدة!
كم سمعنا عن آباء في الستينات والسبعينات والثمانينات من أعمارهم، أمام النّاس خارج البيوت يُظهرون الحكمة والعقل، لكنّ أبناءهم وبناتهم في البيوت يرون منهم وجوها أخرى ويسمعون منهم كلاما من نوع آخر؛ يسمعون منهم السبّ واللعن والكلام الفاحش.. وقد حدّثتني بعض الأبناء والبنات عن آباء كبار في السنّ يصلّون في المساجد لكنّهم في بيوتهم يسبّون الله -جلّ وعلا- ويتكلّمون الكلام الفاحش مع زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم!
وهناك من الآباء من تجده في السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات، لا تفوته صلاة في المسجد، لكنّه لا يزال يخاصم على الأراضي والسكنات والعقارات، لا يزال يطرق أبواب المحاكم ويدفع الأموال للمحامين وربّما يكذب ويشهد بالزّور ويبهت النّاس لأجل أن يكسب قضية مع ابن عمّه أو جاره أو أخيه. لا يزال يحاسب الناس على الألف وعلى المائة دينار، وعلى المتر والغرام إذا أراد أن يأخذ، لكنّه عندما يكون الحقّ عليه فإنّه يتساهل في الكبير والعظيم.. وفوق كلّ ذلك قد تجده سيّئ الخلق، إذا حدّث كذب وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر، يتتبّع العورات ويخوض في الأعراض، وينظر بعينيه اللتين علاهما الشّيب إلى النّساء في الشّوارع، لا تسلم من نظراته امرأة عازبة ولا متزوّجة، ولا كبيرة ولا صغيرة، ولا جارة ولا قريبة، وقد سمعنا بكهول في الخمسينات وشيوخ في الستينات والسبعينات وما فوق ذلك يلهثون خلف فروجهم لهث كثير من الشّباب التائهين، ولو وجد الواحد منهم سبيلا إلى الزّنا ما تردّد في سلوكه! وما يقال عن الرّجال يقال عن بعض النّساء اللاتي بلغن الخمسينات والستينات وهنّ يلهثن خلف الشّهوات، وتجد بينهنّ من تحرّض بناتها على الفساد وتدفعهنّ لمصاحبة ومخادنة الشّباب والخروج معهم، وتقول لهنّ: “عيشوا حياتكم”! وتغطّي عليهنّ في خرجاتهنّ ومغامراتهنّ!
وهذا الصّنف من النّاس يكون من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة، بعد أن يخذله الله في آخر عمره ويختم له بالسّوء، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر”.
… يتبع بإذن الله
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.