تكشف الأحداث المتسارعة، في القارة السمراء، السواد الداكن الذي صبغت به الحقبة الفرنسية الاستعمارية الممتدة إلى الزمن الراهن، البلدان المسماة “الفرانكفونية”، وفرضت عليها أن تبقى في الظلام، تحت السيطرة إلى ما لا نهاية. وليس صدفة، أن تكون كل الأحداث الانقلابية أو الدامية أو المجاعات، في البلدان التي كانت تحت سيطرة فرنسا، وليس صدفة أن تكون البلدان الإفريقية الأقوى اقتصاديا وعسكريا من الدول الإفريقية التي لم تدخلها فرنسا قط، مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا…
ما يحدث حاليا في القارة السمراء، وليس فقط في بلدان الساحل المسماة “الفقيرة”، هو ثورة سلمية حقيقية، لنيل الاستقلال الكامل من الهيمنة الفرنسية التي تدعم من لا علاقة له بالديمقراطية، فمن غير المعقول أن تزعم فرنسا دعمها للديمقراطية، وهي التي وقفت مع عائلة بانغو من أحمد إلى علي، لمدة قاربت الستين سنة، في وراثة جمهورية غريبة، كما دعمت النظام المخزني الوراثي الذي ألّه المَلك وجعله صاحب الجلالة الوحيد، ودعمت ما لا يقل عن مائتي انقلاب في القارة السمراء، لأنها كانت مُهندسته الأولى منذ زمن المرتزق الفرنسي “بوب دينار” إلى مرتزقتها الأفارقة، وهي الآن ترفض انقلابات الحرية التي تسير ضد مصالحها.
لقد صار هدف أحرار القارة السمراء، هو تحجيم دور فرنسا على أرضهم، سواء تعلق الأمر بالنيجر الفقيرة المحصورة في بلاد الساحل الجافة، أو في الغابون الغنية بالمعادن النفيسة، المنتشية بموقعها الجغرافي وثرواتها التي لا تنضب.
يحصي المؤرِّخون الجدد، ما لا يقلّ عن مائتي انقلاب في القارة السمراء منذ سنة 1950، ويحصون ما لا يقل عن ثمانين بالمائة من هذه الانقلابات وقعت في الدول الفرانكوفونية، ويشيرون إلى أن الانقلابات الأخيرة هي ثوراتٌ حقيقية ضد الاستعمار الفرنسي، الذي رفض مغادرة القارة السمراء، وإلا كيف نفسِّر تهليل فرنسا لعشرة انقلابات سابقة في دولة بوركينا فاسو، وتألّمها من الانقلاب الأخير الذي قاده إبراهيم تراوري، وتنظيرها لصالح الانقلابات العشرة السابقة في بوركينا فاسو بحجة أنها أزاحت الرؤساء الكبار في السن، وعدم تهليلها للانقلاب الأخير في بوركينا فاسو الذي منح الحكم لرئيس لا يزيد عمره عن الخامسة والثلاثين ربيعا إفريقيًّا حقيقيا بزمهريره المعادي لفرنسا.
لم تعرف إفريقيا الاستقرار قط منذ استقلال بلدانها من الاستعمار الفرنسي، فهي تنام وتصحو على الانقلابات وعلى تغيير أسمائها من داهومي إلى بينين ومن فولتا العليا إلى بوركينا فاسو، حتى ساحل العاج الفرانكوفونية فرضت على العالم تسميتها كوت ديفوار حتى لا تذوب اللغة الفرنسية في بقية اللغات، فلم تكن فرنسا فقط دركيا أو شرطيا في القارة، بقدر ما أرادت أن تكون صاحبة المكان، تنعم بكل الخيرات وتزرع لأبناء القارة الألغام، قبل أن تجد نفسها بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، ممسكتين بـ”سيروكو” القارة الساخن والجاف.. فقط.
لماذا إفريقيا الفرانكوفونية؟
عبد الناصر بن عيسى
2023/09/01
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.