اهتزاز الأرض تحت أقدام فرنسا في إفريقيا لا يُقلق الغرب عموما وفرنسا خصوصا فقط، ولكنه أيضا يكشف عورات كثير من الأفارقة الذين باعوا ذممهم كما باعوا أوطانهم.
وأنا أتابع هذه الأحداث المتتالية منذ عشرية من الزمن تبين أنّ منبوذين من إفريقيا يعيشون في أوروبا على فُتات المساعدات الاجتماعية، يتغطى بعضهم باللّجوء السياسي، ويستظل آخرون تحت مظلات المجتمع المدني ليكونوا أعوانا لاستمرار سياسة النهب والاستكبار.
وإذا كان بعض السّاسة التاريخيين، أو العلماء المشهود لهم قد أُجبِروا على هجرة بلدانهم الإفريقية هروبا مِن جحيم مَن سخّر بلدانهم في خدمة المستدمر، فإنّ صنفا جديدا لا علاقة له بالعلم والإصلاح والنضال السياسي قد ركب وتصدّر المشهد، عبادٌ مليئة أنفسهم بالحقد لأنّ طَمَعهم أكثر من قدراتهم، يرتدون لباس النضال ويزحفون تحت النعال، يَدّعون حب الأوطان ويكيدون لها خدمة للشيطان، هَمُّهم تسويد كل ما يرمز إلى البلاد وغايتهم تضليل العباد، يُرَوِّجون “الفايك” ويتباهون بمناضلي “لايك”، مشاهيرهم لم يُسمع لهم في البلد أيام الابتلاء ركزا، بل كان لهم مع الطغيان والظلم والقهر همسا ولمزا، فلمّا انكشفت سوءاتهم هرعوا إلى لباس التقوى حينا والتحرر حينا كذبا وظلما.
ولمّا كان عدم الحياء طَبعَهم، وتكدُّسُ الأحقاد داؤهم، واليأس حياتهم، وفقدان الأمل مصيرُهم، امتهنوا باسم معركة الوعي مهنة إبليس الذي أضلَّ نبي الله آدم زعما أنّه يدلُّه على شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى.
وإنّهم تحت مظلة معركة الوعي يكشفون يوميا أنّهم أبعد الناس عن الحرية لأنهم لا يقبلون الرأي المخالف، وأبعد الناس عن التعامل بالحسنى لتعرُّضهم يوميا لأعراض الرجال والنساء وتعميم الأحكام على الجميع بالفساد، بل سمح بعضهم لنفسه أن يتفوّه بما يخجلُ السّويّ من سماعه مع الناس بل وحتى على انفراد.
هذه الفئة التي تعيش على الإفك، وترتزق بنهش الأعراض ونشر البلبلة وتفكيك عُرى الاتحاد والأُخُوة والانتماء هي التي يرتكز عليها أعداء الأمة القدامى والمُحدِثون.
وإذا كانت بعض شعوب إفريقيا اليوم تُلقي بمن وصل منهم إلى الحُكم في سلة المهملات لتُحرِّر شعوبها من الوصاية والاستغلال، فإنّ غيرهم ممن يخدم أعداء الأمّة وهو يعيش في أحضانهم ويقتات على فُتاتهم لا يمكن تشريفه حتى بوضعه في سلّة المهملات لأنّ نهايتهم ستكون على أيدي بعضهم بعضا.
وعندما تهتزّ الأرض تحت أقدام الاستكبار وتهوي مصالحه، تنقلب الموازين، وتتعدد المعايير، وتطيش إبرة البوصلة، ويكثُر الهرج والمرج، وتنكشف السوءات، وتُمتَحن القدرات الإيمانية والإنسانية والحضارية، ويُنفق كلٌ من سعته.
فمن تأسّس على القهر والدّماء وإبادة الآخر سيظل كذلك ظنّا منه أنّ الحق مع القوة، فحيثما كانت القوة كان الحق. ولذلك يُهدَّد بالقتل والنفي والتهجير وكل أنواع التنكيل كل من يناضل أو يجاهد أو يقاوم في سبيل نشر قيم الحرية والسّيادة والكرامة.
ومن تأسس على مبادئ ومُثُل الحقّ والعدل كان مَثَلُه كمثل الغيث، حيثما حل نفع، ينشر قيم الأخوة والحرية والحب والعيش المشترك، يؤمن بالتّنوع ويصونه، ويضبط له قواعد الحماية والاستمرار.
والحضارة التي تقوم على الحرية والتنوع وتُقعِّدُ للتدافع باعتباره سنة من سنن الله في الخلق لا يمكن أن يكون الاستبداد والظلم والاستغلال والاستكبار إلّا جرائمَ لا مكان لها فيها.
إنّ الذي نشهده في عالمنا اليوم في أوروبا، وإفريقيا، والشرق الأوسط، وبعض الأجزاء من آسيا، والقارة الأمريكية شمالها وجنوبها يُنذِر بتحولات جذرية في المجتمع الدولي.
إنّ نُذُرَ سقوط العولمة تتضح أكثر كل يوم، والسؤال المطروح: ما هو ثمن سقوط العولمة؟ وما هي صورة العالم المتعدد الأقطاب؟
لعل أيلولة التدافع الحاصل اليوم في بؤر الصراع وما قد تفرزه من نتائج تمثل مؤشرات تاريخ هذا السقوط وأبعاد وألوان صور العالم المتعدد الأقطاب.
إنّ امتهان كل سبل العدوان واستباحة كل وسائل الإجرام بدعوى أنّ كل الوسائل المتاحة في الحرب لن تسوق إلى الخير لأنّ كل ذلك ليس إلّا مكرا لا تكون ارتداداته إلّا على من مارسه.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.